استطاعت ميليشيات نظام الأسد خلال أيام معدودة السيطرة على أكثر من ثلاثين قرية بينها جرجناز، وباتت على بضع كيلومترات من مدينة معرّة النعمان الاستراتيجية جنوب شرق محافظة إدلب شمالي سوريا.
ويرتبط هذا الانهيار المتسارع لمساحات واسعة ليس لمجرّد استخدام أساليب الحرب التقليدية والعنيفة التي توفّرها روسيا لنظام الأسد، بل بسبب إخفاق الفصائل الثورية عسكرياً وسياسياً في احتواء وفهم طبيعة دورها وتحركاتها حتى في إطار تفاهم سوتشي (2018).
إنّ من غير المجدي التعويل على موقف حاسم من تركيا التي لن تدخل في مواجهة عسكرية مع روسيا والنظام السوري في الوقت الحالي على أقل تقدير، وهذا لا يعني أنّ فصائل الثوار مطالبة بتقويض اتفاق سوتشي، بل التحلّي بمزيد من الجرأة والبحث عن أساليب غير تقليدية وهجينة في الحرب.
غالباً ما تدرك الفصائل أنّ النظام السوري وروسيا يتجنّبان تحويل المعارك إلى عمليات استنزاف طويلة الأمد، حيث تشير سياسة تطويق المدن بدل التقدّم المباشر نحوها، والقضم البطيء إلى فقدان العنصر البشري لتغطية كافة المحاور والجبهات، لكن الفصائل غير قادرة على تحويل هذا الواقع الذي تدركه إلى ثغرة استراتيجية لصالحها عسكرياً وسياسياً.
في الواقع، تمتلك فصائل الثوار كافة الإمكانيات والقدرات التي تتيح لها الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد ضد نظام الأسد وروسيا، بما يؤدي إلى تقويض قدراتهما العسكرية على المستوى البشري والاقتصادي واللوجستي، بعد تشتيت جهودهما ورفع التكلفة عليهما، وبما يخلق انطباعاً لدى قواته باستحالة تحقيق أهداف المعركة.
وما تزال الفصائل قادرة على احتواء الخسائر الميدانية التي تتعرّض لها، مع لزوم العمل على تطوير استراتيجية دفاعية طويلة الأمد بما ينسجم مع صعوبة وعدم قدرتها على القيام بعمليات عسكرية هجومية تحمل طابع الاستدامة.
وفي هذا الصدد تمتلك فصائل المعارضة تجارب محفزة من قبيل عملية السيطرة على تل ملح والجبين في ريف حماة الشمالي الغربي، والعمليات الوقائية التي تعتمد على قوات خاصة تنفّذ هجمات في الخطوط الخلفية ومن ثم تعود لمواقعها بعد تدمير وإبطال مفاعيل نقاط تمركز العدو.
ومن الممكن إيجاد آلية تنظيمية – عسكرية، تساهم في التخلّص من أعباء الالتزامات السياسية مع روسيا وضامني أستانا، من قبيل دعم مجموعات قتال وطنية غير مركزية، فلطالما شكّل هذا النموذج عائقاً أو معطّلاً لسياسات الاستعمار.
ولابدّ أن تدرك الفصائل الثوريّة أنّ لديها خيارات وبدائل تكتيكية لا ترتبط بالإمكانات المادية والعسكرية بقدر ما تربط بالمرونة والمناورة العالية، على اعتبار أنّها قوّة وطنية.
وحدة التحليل والتفكير - مركز جسور للدراسات