الأربعاء 01 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.67 ليرة تركية / يورو
40.55 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.92 ليرة تركية / ريال قطري
8.66 ليرة تركية / الريال السعودي
32.49 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.67
جنيه إسترليني 40.55
ريال قطري 8.92
الريال السعودي 8.66
دولار أمريكي 32.49

عدسة على الإدمان الرقمي.. مخاطر وواجبات (1)

02 مارس 2023، 08:53 م
الإدمان الرقمي- جهاز كمبيوتر
الإدمان الرقمي- جهاز كمبيوتر

بلال الدج - آرام

يعتبر الغزو الرقمي الذي ما لبث أن بات محور حياتنا من أهم وأكثر ما أفاد الإنسان المعاصر وبمجرد أن يكون الإنسان طالب في عصر الانترنت سيكون أقدر من الكثير من العلماء السابقين للوصول إلى المعلومة وتحليلها والبحث عن أقرانها لكن، لا شيء يأتي بالمجان، وهنا سوف نتعرف عن الجانب الأشنع في العالم الرقمي، وهو الإدمان الرقمي.

مع مطلع القرن الحادي والعشرين، بات الإنترنت يستحوذ على جزء أكثر من اللازم من حياة الكثيرين، ونخص بحديثنا المراهقين ولم يقف الأمر عند هذا الحد، اذ استمر بالتشعب حتى خلق مدمنين له، وهنا نتحدث عن كل ما تحمله كلمة إدمان من معنى وليس إدمان الإنترنت بالأمر الهين تجاوزه، شأنه شأن أي إدمان آخر حيث باتت الوعكات الصحية الناتجة عن الإدمان الرقمي بازدياد ملحوظ في الآونة الأخيرة. خاصة مع وجود ألعاب الفيديو التي تعتمد على خوارزميات تعمل عمل المخدر، فلا يلبث الأمر أن يكون تسلية كي يصبح إدماناً.

ومن أهم الأعراض الصحية وأكثرها انتشاراً بين مدمني العالم الرقمي هي "الأرق والوهن" الناتج عن قضاء ساعات طويلة بجانب الحاسب أو على الهاتف، بجانب عدة أعراض أخرى كالصداع ويمتد الأمر لاحقاً لخلق مشاكل في الرؤية نتيجة الضوء الذي تستقبله قزحية العين باستمرار من هذا الجهاز الإلكتروني.

وهنا لا زلنا نتحدث عن الحالات العامة ولم نتطرق لذكر الحالات المرضية الخاصة، إذ احتاج الأمر أن يعالج صبياً في العاشرة من عمره مدمن على ألعاب الفيديو، في المستشفى بسبب إصابته بانتفاخ في الأمعاء وتضخم في المثانة التي خرجت من حوضه بعد توقفه عن الذهاب إلى المرحاض.

وقد عانى صبي آخر يبلغ 13 عاماً، من الدوار وخفقان القلب في كل مرة يهبّ فيها واقفاً، إذ أن جسده غير معتاد على الحركة. وواجهت فتاة في 14 من عمرها مشكلات في معدل النمو في سن المراهقة، بسبب معاناتها من نقص حاد في فيتامين “د” لأنها نادراً ما ترى ضوء الشمس.

ناهيك عن عشرات الأطفال الذين حرموا من النوم بسبب سهرهم على ألعاب الفيديو مع أطفال آخرين في أميركا، حتى ساعات متأخرة من الليل، ما يؤثر في أدائهم في المدرسة، ويجعلهم بالكاد مستيقظين خلال الحصص الدراسية.

وبجانب الأعراض الصحية الجسدية، يمتد الأمر إلى أن يصل إلى مشاكل نفسية، فالشائع بين مدمني العالم الرقمي من سُرعة الهيجان أو ردة الفعل العنيفة جداً (وهذا هو أهم أعراض الإدمان الذي يمكن أن نراه في مجتمعاتنا لما له من تبعات تتبنى العنف من قبل الأهل).

وهنا يمكننا القول: إنه لا يوجد مُدمن غير مُكتئب، ويصعب أن يكون الإنسان مُدمناً على أي شيء ولا يكون مكتئباً، لأن الاكتئاب والإدمان مرضين مُتلاصقين مترادفين في الأعراض ويكمل كل واحد منهم الآخر. ولكن الخطورة تكون بعد عدة أشهر إلى سنتين، وقد تتحول إلى سمات مرضيّة، هذه أعراض كُبرى.

وإذا كان الشاب مغرقاً نفسه في الإدمان طوال سنتين ولم يجد الحل لذلك، ستظهر عنده اضطرابات نفسية كما نشرت مجلة كويتية موضحة ذلك، وهذه الاضطرابات النفسية ظهرت على عدة أطفال مراهقين بعد سنة من الإدمان ومن هذه الاضطرابات:

1- القلق الاكتئابي:

ويتمثل هذا الاضطراب بعدة عوامل منها أنه يُصيب غالباً كُل المُدمنين، ويصف المكتئب نفسه هُنا أنه غير ناجح، وإنسان مُتردد وفاشل، وأنه يفقد الثقة بالنفس وأن لا أحد يُحبه أو يفهمه، يُحبط بسرعة؛ بمعنى أن درجة واحدة في الامتحان إذا نزلت يمكنها أن تصيبه بالإحباط، أو إذا لعب لعبة بسيطة ترفيهية ولم يفُز بها يُصاب بالإحباط، هذه الفئة من الأشخاص نطلق عليهم: "مصابي القلق الاكتئابي".

2- الاكتئاب ذو الطاقة المنخفضة:

تظهر عليه الكآبة، والحُزن المُستمر، وعدم القُدرة على النوم، ويمكن أن ينام 10ساعات ويستيقظ مُرهقاً، ويفقد التمتع لدرجة أنه لا يستمتع بشيء، لا بسفر ولا بأكلة ولا بتنزه، ويفقد القدرة على التمتع، وفقدان التمتع هذا مرتبط بهرمون معين قد عمل الإدمان على إيقافها كلياً أو جزئياً حسب درجته، وبالتالي فإن هذه الهرمونات تكاد تتوقف عنده بشكل كلي.

3- الملل والانسحاب:

ومن هذه الاضطرابات أن يصبح الإنسان ملولاً، يعني أنه على مستوى مدة 3 دقائق لا يستطيع أن يقضيها في أي نشاط آخر، إلا في الإدمان أو الشيء المُدمن عليه، حتى الأكل يأكله بسرعة، فثلاث دقائق أكل بالنسبة له طويلة جداً، ويمكنه أن يأكل مدة ساعة شرط أن يلعب أثناءها، فهو يُمارس إدمانه ويأكل، وهذا من الأسباب الرئيسية للسُمنة التي انتشرت بين المراهقين مؤخراً بمعدلات كبيرة وخطرة، كما يشعر بعدم أي وجود له في الحياة أو عدم وجود معنى لهذه الحياة، وهذا ليس مجرد عرض يمر بسرعة وله آثاره الخطيرة بعد فترة من الزمن، والملل بالنسبة للذي عمره 12 عاماً فما فوق، يفقد معنى الوجود ومعنى قيمة الحياة، ويميل إلى الانسحاب غالباَ وهو أكثر عرضة للفشل.

4- الشعور بالذنب والاستياء:

وهذا الاضطراب يجعل المدمن الرقمي يلوم نفسه طويلاً، وكثرة لوم النفس عموماً واحدة من أكثر الاضطرابات النفسية، وعندنا في بعض المفاهيم الإسلامية؛ أن لوم النفس من الإيجابيات، فهي نقطة تحول للتوبة، يلوم نفسه لمدة لا تتجاوز 5 ثوانٍ، ثُم يعزم ويُفكر ألا يرجع، ثُمّ يعمل عملاً صالحاً، ثُم يفرح بتوبته.

أما اللوم في الحالات الرقمية إذا استمر، فيمكن أن يتحول إلى اضطرابات نفسية، وكثرة تأنيب النفس والاستياء من المحيط، ويبدأ بالقول سراً أو جهراً عبارات مثل "لا أحد يفهمني، كُلهم ضدّي…" وهذ الأقوال بحد ذاتها يمكن أن توصل الإنسان إلى الاكتئاب أو غيره.

5- الوهن النفسي:

الإنسان هُنا لا يستطيع أن يضبط ذاته، فالإنسان الذي كان عنده وهن نفسي في صغره يُصيبه في الخمسينيات من عمره مرض (الباركينسون)، وتوجد حالات باركينسون مُسجلة في سن الأربعينيات.. و(الباركينسون) هو عدم القُدرة على ضبط الحركة، بسبب نقص موجود وملحوظ.

ولا يخفى أبداً تأثير الإدمان الرقمي على الحياة الاجتماعية إذ بعيداً عن كونه قد قرب المسافات وسهل التواصل بين الجميع متخطياً الحيز الجغرافي، لكنه قد خلق عدة فجوات اجتماعية، ونرى هذا ملحوظاً بشكل أكبر عند المدمنين على العالم الرقمي إذ حتى داخل جدران المنزل الواحد تجد العلاقات الاجتماعية في حالة وهن وضعف، ويعتبر الأطفال الضحايا الأوائل للإدمان الرقمي وجوانبه السلبية عامة والاجتماعية منها خاصة، إذ كثيراً ما يلاحظ انعزال الأطفال المدمنين على العالم الرقمي عن محيطهم وضيق دائرتهم الاجتماعية في السن الذي يكون أسهل ما على الطفل فعله هو تكوين دائرة اجتماعية كبيرة خاصة به.

ولم تقف الأضرار على الأفراد فحسب، بل امتدت حتى طالت مجتمعات بكاملها، فتأثير الإنترنت السلبي على المجتمعات يتجسد في تأثيره على قيم وأخلاق تلك المجتمعات التي تبنى على الأفراد الذين هم بطريقة أو بأخرى ضحايا للإنترنت والعالم الرقمي، بل ويعتبر عدم وجود رقابة واضحة على الإنترنت هو أكثر ما ساهم في فساد الجانب الأخلاقي والقيمي للمجتمعات.

إذ يصل الأفراد المدمنين على الإنترنت لمرحلة يجدون أنفسهم بها غير قادرين على التفريق بين العالم الرقمي والعالم الواقعي، وهنا يكمن مربط الفرس إذ إن الأول غير خاضع لأي رقابة أو قانون بينما الثاني بالضرورة يخضع لمجموعة من القيم والأخلاق والقوانين. وهذا ما يؤدي إلى خلق ثغرة كبيرة، فالمدمن على العالم الرقمي يصل إلى الحد الذي يقوم به بذات الأفعال غير المعاقب عليها في العالم الرقمي ضمن عالمه الحقيقي، ومن هنا تخلق ضرورة قصوى لوضع المزيد من الرقابة على العالم الرقمي لتفادي مثل هذه المشاكل.

ختاماً نقول إنه لا يمكننا أبداً نكران الجانب الإيجابي والمهم في الإنترنت نتيجة لنقاطه السلبية، لكن كذلك لا يمكننا التغاضي عن هول المشاكل الناتجة عن ذلك الإدمان الرقمي، ومن هنا يكون الحل الأمثل هو باعتماد المزيد من الاستراتيجيات لخلق تصفح أمن للإنترنت خاضع للرقابة والقوانين وتحت جناح الأخلاق الإسلامية، والأعراف المجتمعية القيمة لدينا في سبيل خلق التوازن المطلوب وتفادي خطورة الإدمان الرقمي ودحضها جملة وتفصيلاً كي تكون الإنتاجية العالية ملائمة للحاجة المجتمعية المتزايدة ضمن الحدود التي تحافظ على سلامة المجتمع ونموه معاً.

المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة آرام ميديا

شاهد إصداراتنا: