السبت 06 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

تشتيت الذهن وضعف التركيز

عدسة على الإدمان الرقمي.. مخاطر وواجبات (6)

06 مارس 2023، 07:52 م
الإدمان الرقمي- جهاز كمبيوتر
الإدمان الرقمي- جهاز كمبيوتر

ليلى الهاشمي - آرام

في كتابها الصادر في العاشر من يناير لهذا العام -قبل خمسة أيام من كتابة هذه المقالة-، تشرح الدكتورة غلوريا مارك، أستاذة المعلوماتية بجامعة كالفورنيا كيف انخفضت مدة الانتباهAttention Span   من أول دراساتها في هذا المجال عام 2004 "بالعودة إلى عام 2004، وجدنا أن متوسط ​​مدة انتباه الأشخاص على أي شاشة هو 150 ثانية قبل التبديل إلى شاشة أخرى. بحلول عام 2012، انخفض إلى 75 ثانية، وبين عامي 2016 و 2021، تقلص إلى 47 ثانية".

رغم ذلك، تشير الباحثة إلى أنّ هذه النتيجة متفائلة مقارنة بدراسات أخرى وجدت أن متوسط مدة الانتباه هو 3 ثواني فقط. يدعم هذا أبحاث شركات التسويق التي تركز على الدعاية، حيث أشارت دراسة حديثة لشركة Insider Intelligence  إلى أنّ مدة الانتباه لجيل الـ Z (مواليد منتصف التسعينات إلى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين) تصل إلى ثانية ونصف عندما يشاهدون الدعايات.

نتوقف قليلاً، لأفترض أنك ما بين الـ 20 إلى منتصف الثلاثينات من العمر، لديك على الأقل هاتف ذكي واحد، وجهاز لابتوب واحد، تستخدم على الأقل موقع تواصل إلكتروني واحد – يوتيوب مثلا-، السؤال: كم من الوقت تقضيه على هذا الموقع؟ وكم من الوقت تحتاجه قبل الانتقال من فيديو/منشور/تغريدة إلى فيديو/منشور/تغريدة أخرى؟

يعتبر تطبيق تيك توك أسرع تطبيق تواصل اجتماعي يصل إلى المليار مستخدم (خلال 5 سنوات)، متقدماً على فيسبوك الذي وصل للمليار بعد 8 سنوات من انطلاقه، وتعتبر فترة الحجر العالمي خلال أزمة كورونا ذهبية للتطبيق، حيث ساعدت في التعريف به على نطاق أوسع خارج الصين. ونتيجة للتغيّر الرهيب في سلوك مستخدمي مواقع التواصل وميلهم إلى المحتوى الأقصر، بدأت يوتيوب خاصية الـ  Short في سبتمبر 2020م وبدأت انستغرام خاصية الـ Reels في أغسطس 2020م.

مكمن الخطورة هي في تأثير هذه التقنيات الجديدة في تعزيز إدمان مستخدمي مواقع التواصل، حيث أشارت دراسة نُشرت عام 2017م إلى أنّ مواقع التواصل تؤثر على إحساس مستخدميها بالزمن بشكل يجعل من الطبيعي قضاء ساعات في الـ Scrolling /التصفح دون وعي.

في مقالة حديثة، قارن أحد الباحثين المشاركين في الدراسة  بين من يمارس كرة القدم وبين من يتصفح التيك توك من ناحية إحساسهم بالزمن المنقضي في ممارسة النشاط، "بالمقارنة، إذا كان شخص ما يلعب كرة القدم لمدة ساعة كل أسبوع، فإن دماغه يقدّر المدة وسيقوم بإرسال إشارات للإشارة إلى التعب وأن اللعبة ستنتهي قريبًا. مع تيك توك، لا يصبح هذا التقدير حاضراً، فعند بدء استخدام التطبيق لأول مرة، قد يشاهد المستخدم خمسة مقاطع فيديو، لكن بمرور الوقت، لن تكون مقاطع الفيديو الخمسة هذه كافية للحصول على نفس الدوبامين".

أن يصبح الأفراد مدمنين لمواقع التواصل له آثار تتجاوز الوقت المقضي في التصفح – أشرنا هنا إلى تأثير التقنيات الجديدة في زيادة الوقت الذي يقضيه الأفراد على مواقع التواصل، وهذا أحد العوامل التي يمكن الاستدلال بها على الإدمان-.

لنتعرّف على أحد أهم الأضرار التي تصاحبنا بشكل يومي: هل تتذكر عندما كنت تقوم بمهمة عمل أو دراسة، ثم – وبسبب الملل ربما أو مواجهة صعوبة في حل مسألة – أمسكت هاتفك الذكي وبدأت تتصفح انستغرام مثلا؟

إن حصل وكنت في مثل هذا الموقف، وحاولت العودة لمهمتك أو دراستك، هل لاحظت وجود صعوبة ما في التركيز؟ غالباً سيكون جوابك "نعم"، نعترف هنا على ما يسمى بـ "بقايا الانتباه/Attention Residue".

تقوم هذه الفكرة على أنّ العقل البشري لا ينتقل بشكل كامل وحادّ مع كل مهمة نتوجه إليها، بل نبقى نفكر في المهمة غير المنجزة، أو في ما قرأناه أو شاهدناه. يشير الدكتور كال نيوبورت صاحب كتاب عمل عميق  Deep Work في كتابه ومدونته إلى آثار هذا التنقّل على قدرة العقل على معالجة المعلومات والتركيز على إنجاز المطلوب، "كل مرة تنتقل فيها بين مهمة وأخرى يتحوّل انتباهك. حتى لو كان هذا التحول قصيرًا، فإنه يترك بقايا انتباه تقلل من قدرتك المعرفية لفترة زمنية ليست بالقصيرة قبل أن يعود الانتباه إلى مستواه السابق لهذا الانتقال.

تخيّل معي: تدرس لفحص ما، تشعر بالملل، تمسك بهاتفك وتتصفح الانستغرام، تشاهد منشور لصديق يحتفل فيه بإنجاز ما، وأخرى تشارك أغنيتها المفضلة. تكتفي، وتعود إلى دراستك، لكن يبقى جزء من عقلك يفكر في ذلك الصديق ويردد تلك الأغنية، تحتاج إلى وقت حتى تستعيد تركيزك.

تخيّل مرة أخرى أن هذا السيناريو يتكرر كثيراً خلال يومنا، سواء في العمل، المنزل، أو الجامعة. في كل مرة نبدأ مهمة ما لا بد وأن نفكر لحظة في التقاط هاتفنا الذكي، وتبدأ السلسلة. هل سيبقى العقل البشري مع التعرّض لهذا السلوك بشكل يومي وعلى مدى سنوات، بنفس تركيبته أم أن عمله وعاداته ستختلف؟. 

لا يمكن بأي حال أن نمتلك عقلا طبيعياً في هذا العصر، "There is no way we can have a normal brain today.”

  كان هذا هو رد رئيس المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية الدكتورة باربارا ديمونكس

كان هذا معرض إجابتها على سؤال بخصوص تأثير تعاملنا مع الهواتف الذكية على عقولنا، عنوان المقال – تجده في المصادر- مثير ومؤشر بشكل مباشر إلى أصل المشكلة: انتباهك لم يضعف، بل تمّت سرقته.

هل تتذكر ما أشرنا إليه من تقديم شركات مواقع التواصل الاجتماعي لخصائص جديدة تقدم محتوى قصير؟ لم يكن هذا عبثاً.

يشير كال نيوبارت في كتابه "عمل عميق" إلى التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للسلوك الذي ينتج عن "بقايا الانتباه" على عمال المعرفة Knowledge Worker  - وهم موظفي المكاتب-، حيث أشار إلى آثار ناتجة عن سلوكيات مثل التواصل الآني وتكلفتها غير المباشرة. تخيّل معي إنتاجية موظف يعمل في قسم إداري ما وهو تحت رحمة الإشعارات التي من إيميل العمل، مجموعات العمل على واتساب أو سلاك، ومن حسابه على تويتر أو فيسبوك، مع ما عرفنا من تأثير هذا السلوك على التركيز وقدرة العقل على الأداء فإنه يمكن الوصول إلى استنتاج مفاده أنّ إنتاجية هذا الموظف ستتأثر سلباً بهذه الظروف المحيطة.

في عصرنا، ونتيجة لتقدم التكنولوجيا لدرجة تهديدها لبعض المهن، فإنه لن ينجو إلا أحد ثلاثة:

  1. أصحاب القدرة المميزة على التعامل مع التكنولوجيا.
  2. النجوم: صفوة الصفوة في مجالاتهم.
  3. أصحاب المال – جعلنا الله وإياكم منهم-.

باستثناء الفئة الأخيرة، فإن كال نيوبارت يرى أنّه للنجاة في هذا العصر، لا بد من اكتساب عادة العمل العميق، والتي تتعارض مع نمط حياة مستخدمي مواقع التواصل والتي – نظراً لطبيعتها – تضعف قدرة العقل البشري على التفكير والإنتاج، مما سينعكس عاجلاً أو آجلاً على ما ينتجه الفرد ومن ثمّ على تقييم أداءه وما يمثله في سوق العمل، وسيكون معرضاً لفقدان وظيفته في أي وقت.

على الجانب الآخر، وفي استمرار لآثار نمط الحياة الذي تفرضه مواقع التواصل، ويتقبله الناس دون إدراك، ونظراً لكون ما ينتجه مستخدمي مواقع التواصل عليها خاضعاً للتعديل وإضافة الرتوش، فإنك تساءل نفسك وأنت تتصفح انستغرام مثلاً: لماذا كل الناس ناجحون ومبتسمون وأنا لا؟ لماذا الكل سعيد إلا أنا؟

هنا، يصل تأثير مواقع التواصل إلى حد أنها تؤثر على رؤية الفرد لذاته وقيمتها، وما يثير الدهشة هو أن هذا التغيّر في نظرتنا لذواتنا ليس نتيجة محاكمة ذاتية لعملنا، لما قدمنا، بل من خلال ما نرى عليه الآخرين من صور ومشاهد نعلم جميعاً أنها خضعت للفلاتر قبل عرضها، وهنا يصبح هذا الجهاز الذي تقرأ منه، وهذا الموقع الذي تتابع فيه الآخرين هو أكبر معيار مؤثر في إجابتك: هل أنا ناجح أم لا.

يصبح فهم هذا الجانب أوضح عندما نرى الأثر الإيجابي لتحديد مدة استخدام مواقع التواصل على المستوى النفسي، حيث أشارت دراسة نُشرت عام 2018م إلى انخفاض الشعور بالوحدة والاكتئاب عينة الدراسة من طلاب الجامعة عندما تم تحديد 10 دقائق فقط لتصفح انستغرام وفيسبوك.

بقي أن نشير إلى أنه لا يظهر أنّ هناك نظاماً معيناً واحداً يمكن تطبيقه ليحكم تعاملنا مع مواقع التواصل، هناك محاولات تقوم على أساس تحجيم استخدامنا لها (نستخدم فقط ما نحن متأكدون أننا في حاجة إليه، وضبط هذا الاستخدام بوقت محدد ووسيلة محددة: لا تطبيقات على الجوال، لا دخول خلال المساء مثلا).

من المحاولات التي نرى أنها جيدة:

  1. حمية الانتباه – مارك مانسون (مؤلف كتاب فن اللامبالاة).
  2. التخفف الرقمي – كال نيوبورت

يمكن الاطلاع عليها في المصادر.

المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة آرام ميديا

اقرأ أيضاً: عدسة على الإدمان الرقمي.. مخاطر وواجبات (2)

شاهد إصداراتنا: