السبت 06 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

الردّة العربية تجاه نظام الأسد

12 ابريل 2023، 10:43 ص
عبد الجبار العكيدي
عبد الجبار العكيدي
12 ابريل 2023 . الساعة 10:43 ص

في موازاة الردّة السياسية العربية نحو نظام الأسد يتنامى الحديث في المشهد السوري حول سؤالين اثنين: يتمحور الأول حول السبب الجوهري وراء هذه الردّة، إذ ما الذي يغري الحكومات العربية للانعطافة نحو نظام هو أقرب ما يكون للجثة المتفسخة، وما المُرتجى أن تحصل عليه تلك الحكومات من وراء تطبيعها مع نظام لم يعد بحوزته ما يتباهى به سوى الكبتاغون. وبما أن حال الأسد لم يعد خافياً على أحد، فما الذي يدفع إلى الرجوع إليه؟ فيما يذهب السؤال الثاني عن تزامن تلك الردّة التطبيعية مع حلول زلزال 6 شباط/فبراير، فهل أطاحت تداعيات الزلزال بالجدران العازلة بين نظام الأسد وبعض الأنظمة العربية مثلما أطاحت بأرواح وبيوت السوريين؟

فيما يخص السؤال الأول يمكن التأكيد على أن نظام الأسد لم يكن هدفاً بذاته لأي نظام عربي آخر، ولكن لا بدّ من المغامرة بالاقتراب منه، ولو أدّى هذا الاقتراب إلى التزوّد بواقيات مؤقتة من الإصابة، ولعل مردّ ذلك لكون الأسد هو بوابة عبور نحو شطآن أخرى ينبغي الوصول إليها، وسواء أكان بلوغ تلك الشطآن يخدم مصلحة ذاتية مباشرة أو غير مباشرة، ويمكن النظر إلى مسعى الجزائر وتونس باتجاه الأسد تجسيداً لهذا النوع من العبور، إذ إن الدولتين المذكورتين إنما تجدان دفعاً روسياً للمزيد من التطبيع مع الأسد، وذلك وفقاً لاستراتيجية فلاديمير بوتين الهادفة إلى تطويق أي قرار أممي أو تهميشه من خلال الالتفاف عليه من جهة، وكذلك من خلال كسر جدار العزلة عن الأسد من جهة أخرى، ثم يمكن أن يضاف إلى الدفع الروسي المصالح الأمنية الخاصة بأنظمة الحكم والتي هي بالأصل حاجة متبادلة ومصلحة مشتركة بين الأنظمة الشمولية ذات البنى العسكرية المشابهة لنظام الأسد في آلية الحكم، فهي أصلاً تخشى من التغيير والانتقال السياسي في سوريا وانتقال عدواه اليها، فربما كان من الصحيح أن الحياة السياسية في دول المغرب العربي مهما بدت متصلّبة فهي لا يمكن أن تتشابه مع دولة الإبادة الأسدية، ولكن ما لا يمكن نكرانه أيضاً أن أنظمة الحكم في كل من الجزائر وتونس ما تزال تؤرقها هواجسها الأمنية أكثر بكثير من انشغالها بالتنمية والتحوّل الديمقراطي في البلدان التي تحكمها.

أما عن الردّة لدى الشطر الشرقي من بلاد العرب فربما كان العبور نحو وجهة مختلفة، ونعني بذلك نحو إيران التي ما تزال قادرة على التلويح بالعصا وإثارة المزيد من المخاوف لدى دول الخليج على وجه الخصوص، ولعل الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين مؤخراً كان واضح الأهداف والدلالات، إذ كانت المرونة التي أبدتها السعودية تجاه بشار الأسد ليس كرمى لعينيه بل من أجل سلامة أمنها من صواريخ الحوثي وتهديداته المستمرة للأمن السعودي، وبما أن إيران هي الممسكة بأذرعها التنفيذية سواء في العراق أو اليمن أو لبنان أو سوريا، فإنها تبقى صاحبة الحل والربط، ولا بدّ أن تكون هي صاحبة البازار لأي صفقة تخص أذرعها المذكورة. وبالطبع لا يمكن تجاهل عوامل أخرى، لعل أبرزها بوادر ظهور محور(إيراني-صيني-روسي)، إذ لا يمكن لأية دولة أخرى لها مصالح إقتصادية وأمنية في المنطقة أن تتجاهل هذا المحور لما يجسّده من ثقل إقتصادي وعسكري في منطقة الشرق الأوسط برمتها.

أمّا بخصوص السؤال الثاني، حول تزامن الردّة مع الزلزال، فيمكن الذهاب إلى أن تداعيات الزلزال قد وفّرت غطاء إنسانياً ربما كان الجميع لا يتوقعه، لذلك بادر الجميع إلى استثماره قبل فوات الأوان، وخاصة أن الرادع الأساسي الذي كان يحول دون الإقدام على خطوات تطبيعية مباشرة مع الأسد هو الجانب الأميركي الذي ربما لم يعد شديد المبالاة بتحذيراته السابقة، بل إنه علّق عقوبات قيصر المفروضة على النظام لمدة ستة أشهر، وهناك فريق متنفذ في إدارة بايدن يسعى لتمديدها وهذه سابقة خطيرة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وجهت تحذيراً شديد اللهجة في أواخر العام 2019 إلى الخارجية المصرية، يؤكّد رفض واشنطن لأي خطوات تطبيعية رسمية مع نظام الأسد، ويبدو آنذاك أن دولة الإمارات وحدها من تجاوزت الخطوط الحمر الأميركية، وربما لعلمها آنذاك بأن تلك الخطوط لن يكون لها أي أثر على المستوى الملموس، باستثناء الأثر الإعلامي ولا شيء سواه، فضلاً عن أن موقف الإدارة الأميركية بالأصل من القضية السورية هو موقف متداخل بشدة مع الموقف من إيران، وربما لقناعة أميركية بأن تسوية النزاع مع بقاء الأسد وتسوية الملفات الأخرى بالتدريج يصب في مصلحة حليفها في سوريا، أي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتعتبر فرصة قسد بالحفاظ على جلّ مكاسبها بوجود الأسد أكبر منها في حال سقوطه، وبالتالي تعرضها لخطر الاجتثاث التركي والفصائل الموالية له. 

وطالما أن واشنطن ما تزال تراهن على "تغيير سلوك الأسد" فيمكن أن تكون الردّة العربية مُبرَّرةً من وجهة نظر أصحابها باعتبارها مسعى يهدف إلى تغيير سلوك الأسد أو إصلاحه من خلال حذف أوصاف "الجلاد والقاتل والمجرم" واستبدالها ب"فخامة الرئيس الأسد".

ولعله في ظل هذه المتغيرات المتسارعة في المشهد وتبدل المحاور، بات من الواضح أن أغلب الدول العربية وخاصة الخليجية منها تعمل على إعادة النظر في كل مصالحها الإقليمية والدولية، وتحديداً المملكة العربية السعودية التي لديها شعور كبير بالخيبة والخذلان من السياسات والمواقف الأميركية السابقة التي مكنت إيران من مدّ نفوذها الى عدة دول عربية، ولم تقدم للسعودية ودول الخليج ما يجعلهم قادرين على مواجهة هذا التمدد، بل أنها تلاعبت بمخاوف تلك الدول، وابتزتها مالياً وامنياً، دون أن تمارس أي ضغوط جدية أو حقيقية في مختلف الساحات التي تتواجد فيها إيران ووكلاؤها، وخصوصاً الساحة اليمنية التي تشكل أكبر تهديد مباشر على الأمن القومي لدول الخليج العربي وخاصة السعودية، وهذا ما يفسر تحول تلك الدول الى بناء تحالفات جديدة مع الصين وروسيا لتحقيق توازنات تضمن لها عدم بقائها أسيرة معادلة الابتزاز المالي والأمني مقابل الحماية.

باتت هذه الدول تسعى لإطفاء بؤر التوتر في المنطقة، ونظراً لأهمية سوريا الجيو-استراتيجية فإن إيجاد حل سياسي فيها بالتوافق مع بقية الأطراف المتدخلة في القضية السورية بات مطلباً ملحاً لتلك الدول لإخراجها من دوامة الصراع وتداعياته عليها.

وربما لقناعة جديدة ترسخت لدى القيادة السعودية الشابة بقيادة الأمير محمد بن سلمان، بتمتين علاقاته مع الصين وروسيا وانفتاحه على إيران، وهذا يتطلب منه خفض سقف المطالب السعودية السابقة تجاه نظام الأسد، وإعطاء إشارات لهذه الدول بأن الرياض باتت تفضل حل القضية السورية دون التطرق لمصير الأسد، وربما الإبقاء على النظام مع إعادة تأهيله وفق شروط تضمن وفاءه بوقف الحرب في سوريا وإيجاد قواعد مصالحة مع المعارضة التي ربما باتت أكثر جهوزية للتعاطي مع هكذا حلول.

تكمن خطورة خطوات التطبيع التي تقوم بها الدول العربية والإقليمية في أنها تقوم على حسابات ومصالح تلك الدول بالدرجة الأولى دون أن تضع في حسبانها الأسس الوطنية والإنسانية والأخلاقية التي لا يمكن دونها ذهاب سوريا نحو الاستقرار مع بقاء نظام مجرم غارق بدماء السوريين، والسبب الرئيس في معاناتهم ومأساتهم. فهل سيكون هذا التطبيع دون ثمن سياسي؟

المصدر: المدن

اقرأ أيضاً: واشنطن ترصد 5 ملايين دولار مقابل معلومات عن "إرهابي دولي" بسوريا

شاهد إصداراتنا: