السبت 11 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.92 ليرة تركية / يورو
40.78 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.62 ليرة تركية / الريال السعودي
32.35 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.92
جنيه إسترليني 40.78
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.62
دولار أمريكي 32.35

كي لا يكون "خبيل جديد" في شرق الفرات

04 سبتمبر 2023، 03:45 م
كي لا يكون "خبيل جديد" في شرق الفرات

إياد الجعفري

كاتب وباحث سوري

04 سبتمبر 2023 . الساعة 03:45 م

من المثير للدهشة، كيف أن صراعاً من أجل السيطرة والنفوذ، عموده الفقري "اقتصاد التهريب"، يتحول بصورة مفاجئة إلى "فزعة عشائرية" عابرة لحدود مناطق السيطرة المختلفة، ويكاد يتحول إلى صراع "كردي – عربي"، دخلت على خطه كل القوى، بدءاً بالنظام والإيرانيين، مروراً بالروس والأتراك، وليس انتهاءً بـ "هيئة تحرير الشام"، وذلك في بقعة هي الأغنى والأكثر ازدحاماً بالمتصارعين الخارجيين على التراب السوري.

بدايةً، نقرّ بعدم جواز تقزيم ما يحدث ليكون بحجم أحمد الخبيل، ومجلسه العسكري، المتهم بارتكاب جملة طويلة من الموبقات، بإقرار أبناء العشائر ذاتها، التي تقاتل اليوم غضبةً لطريقة استدراجه واعتقاله. إلا أن التركيز فقط على الأسباب العميقة التي فجرت هذه الغضبة، والمتعلقة باحتقان المكوّن العربي في دير الزور، جراء التهميش والتضييق المتعمّد عليه من جانب الممسكين الفعليين بقيادة "قسد"، قد يجعلنا ننحرف في التحليل بعيداً عن محركات الصراع الأساسية، ومآلاته المحتملة.

في تشرين الأول/أكتوبر عام 2017، نشر "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، نبوءة لمحلل أمريكي، يُدعى باراك بارفي، حذّر فيها واشنطن من أنها إن لم تراقب "أبو خولة – الخبيل" جيداً، فإنه سيتسبب باستبدال الصراع مع "داعش"، بصراع جديد. يومها كان الخبيل حليف "قسد" المُختار بعناية، للقضاء على "داعش" في محافظة دير الزور. لكن بارفي وجد فيه شخصاً سيء السمعة، مُجرّداً من أية مبادئ، يحارب من أجل "المواد الهيدروكربونية" وغيرها من المكاسب المادية، في المحافظة.

بعد ست سنوات، تحققت نبوءة بارفي. فواشنطن قررت عزل الخبيل، بعد أن تضخم نفوذه، وتمكن عبر شبكته من التحالفات المحلية من أن يصبح منيعاً حتى على تكتيكات "قسد" التي تتلاعب عادةً بالتناقضات العشائرية، بالمنطقة. واستطاع سارق الدراجات النارية قبل العام 2011، وقاطع الطرق بعيدها، من أن يصبح أميرَ جانبٍ مهم من المعابر النهرية على الضفة الشرقية للفرات، حيث يمر النفط وسلع أخرى، بالاتفاق مع نظرائه من الأمراء على الضفة الأخرى، الإيرانية – الأسدية.

وفيما تنتفض عشائر يمتد تواجدها الديمغرافي من الحدود العراقية – السورية شرقاً، حتى شمالي حلب غرباً، غضباً لاعتقال الخبيل، كان عزل هذا الرجل، ومحاسبته، مطلباً لأبناء العشائر ذاتها، على مدار السنوات الأخيرة، وصولاً إلى اندلاع احتجاجات بهذا الغرض، كانت قيادة "قسد" تحتويها بالوعود للوجهاء، دون أن تنفذ أياً منها، ليبقى الخبيل، ومجلسه العسكري، الممثل المُفترض للمكوّن العربي بدير الزور، داخل "قسد". فلماذا أبقت هذه الأخيرة عليه، رغم الامتعاض الشعبي من تجاوزاته التي تطول قائمتها، من الاعتقال والسلب والنهب، والتضييق الاقتصادي، والتهريب، وليس انتهاءً باتهامات الاغتصاب والقتل؟! يبدو السؤال ساذجاً. فأفضل طريقة لـ "تمثيل" مكوّنٍ تريد تهميشه، هو باختيار شخصٍ لا قيمة لأي شيء لديه، إلا مصلحته الشخصية ومصلحة المقربين منه. لكن ذلك لا ينفي محورية "اقتصاد التهريب" وشبكاته الزبائنية التي تمكّن الخبيل من نسجها ضمن المكوّن المحلي للمحافظة، وتورط فيها قادةٌ من "قسد"، وجدوا فيه خير شريك، لأكثر من ست سنوات. حتى تضخم، فأصبح أكبر من مجرد أداة محلية، كما كانوا يريدون له أن يبقى، مراهنين على مقتِ جانبٍ كبيرٍ من أهالي المحافظة، له، ولتجاوزاته. فكانت المفاجأة لقادة "قسد"، أن اعتقال الخبيل اليوم، والذي كان مطلب شريحة كبيرة من العشائر، بالأمس، قُرِىء بالتوقيت والطريقة، على أنه خطوة جديدة لتهميش المكوّن العربي، والتضييق عليه.

وفيما تتهم "قسد" النظام، بالوقوف وراء "الفزعة" العشائرية التي فاجأتهم، كان الخبيل في نهاية العام المنصرم فقط، وبدعم من "قسد" ذاتها، يخوض اشتباكات بالرشاشات الثقيلة مع ميليشيا "الدفاع الوطني" و"الفرقة الرابعة"، على الضفة الأخرى من الفرات، جراء الخلاف بينهم على تقاسم عائدات التهريب على أحد المعابر النهرية. وبالعودة إلى اليوم، نجد مليشيات "الدفاع الوطني" ذاتها، التي كان يحاربها الخبيل قبل تسعة أشهر فقط، تركب موجة "الفزعة" العشائرية، وتعلن مساندتها للمنتفضين على الجانب الآخر.

ستجد كُثراً ممن يقدمون الأدلة على ارتباط الخبيل بالإيرانيين والنظام. وهي تهمة لا يمكن نفيها عن الرجل، الذي سبق أن بايع "داعش"، قبل أن يفر من مناطق سيطرتها، ليعود إليها، محارباً لها. وقد تكون تلك كلمة سرّ تضخمه، فانتهازيته الجليّة أتاحت له أن يضارب على قادة في "قسد"، ينسقون مع طهران، بصورة شبه علنية. 

لا نقصد مما سبق، أن نسِمَ "الفزعة" العشائرية المنتفضة الآن، بدعم أمير حرب سيء السمعة. فكما أشرنا، هناك أسباب عميقة أدت إلى تفجر هذا الحراك، فيما كان اعتقال الخبيل مجرد الشرارة فقط. لكن المشكلة في أن "الشرارة" ذاتها، قد تفضي إلى حلولٍ، تعيد الخبيل إلى موضعه، كممثلٍ للمكوّن العربي في دير الزور، داخل تركيبة "قسد". مما يعني أن سياسات الإقصاء والتضييق الاقتصادي التي اعتمدتها "قسد"، لتطويع المحافظة، ستستمر، وربما، بوتائر أكثر حدة، إن لم تتخذ تلك "الفزعة" مساراً يستهدف تصويب التمثيل العربي، وتجريد أمثال الخبيل وأعوانه، من نفوذهم. 

 أما أكبر عائق أمام تحقيق هذا المسار، فهو "اقتصاد التهريب" -وشبكاته الزبائنية، التي نسجها الرجل- والذي يمثل المورد الرئيس الذي ترتزق منه المليشيات، على الضفتين، بضوء أخضر من مُشغليها. فإن كانت الكلمة النهائية لهذا "الاقتصاد"، فهذا يعني أن أفضل ما قد يحدث كنتيجة للـ "الفزعة" العشائرية الراهنة، هو استبدال الخبيل، بخبيل آخر. لا أكثر. وقد يكون "الخبيل الجديد"، من الضفة الثانية، هذه المرة.

اقرأ أيضاً:

شاهد إصداراتنا: