الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

في رمزية استعادة ساحة الكرامة في السويداء

22 سبتمبر 2023، 07:19 م
في رمزية استعادة ساحة الكرامة في السويداء

عمر كوش

كاتب وصحفي سوري

22 سبتمبر 2023 . الساعة 07:19 م

دخل الحراك الاحتجاجي في محافظة السويداء شهره الثاني مع استمرار فعالياته اليومية، خاصة في ساحة الكرامة، التي استعادها أهلها، وباتت تشكل ليس فقط مركزاً للتظاهرات، ومكاناً للاحتفالات واللقاءات اليومية، يظهر فيه أهلها كرمهم وسخاءهم، بل فضاء تشاركياً لأهلها، للتعبير عن تمسكهم بالمطالب السياسية الداعية إلى تغيير النظام، وللتوافق على آلية لتنظيم الفعاليات الاحتجاجية، حيث تجري في هذه الساحة مظاهرات يومية، ولو بأعداد محدودة، تأكيداً على الاستمرارية والتواصل، فيما يتمّ حشد الآلاف كل يوم جمعة في مظاهرة مركزية. أما خارج المدنية، فتنظم فعاليات الحراك في كافة مناطق وبلدات المحافظة، بالاتفاق على يوم محدد للتظاهرات في قرية أو بلدة معينة، ويشارك فيها أهالي المناطق المجاورة.

إذاً، استعاد المحتجون، ليس ساحة الكرامة فقط، بل استعادوا الفضاء العام، أو المجال العمومي، وحولوه إلى فسحات للنقاش حول أوضاعهم ومستقبلهم، وذلك بعد أن صادره نظام الأسد، بنسختيه الأب والابن، لأكثر من خمسة عقود، وحرمهم، مثلهم مثل سائر السوريين، من أي فعل تشاركي، خوفاً من انتقال فعالياتهم التشاركية من الحقل التواصلي الاجتماعي إلى الحقل السياسي، أي تخوفه من تحولها إلى فعل يدعو إلى تغيير سياسي، وينتج تصورات ورؤى مشتركة، من أجل إنهاء سنوات طويلة من استبداده وقمعه، وإمعانه في تجفيف منابع السياسة في المجتمع السوري.

تاريخياً، كانت ساحة الكرامة ميداناً لإحياء المناسبات والاحتفالات والفروسية، حيث كانت تعجّ بالأهازيج والأغاني في المواسم والمناسبات الاحتفالية، على وقع رقصات خيول فرسان الجبل، أما في المآتم، فكانت تقام فيها بعض المراسم، لكن نظام الأسد سلبها من أهلها، فقام بتحويلها إلى ساحة آل الأسد، فأطلق عليها اسم "ساحة الرئيس"، ولم يكتف بذلك بل بنى مقراً لحزب البعث، كي يسلب أهلها رمز اجتماعهم وفضاء ساحتهم.

ليس رمزية الساحة فقط هي ما يحسب مكسباً لأهل السويداء وناشطيها، بل الأهم هو فقدان هيمنة النظام على الفضاء العمومي، وذلك بعد أن أعلنت قوى الحراك نهاية هذه الهيمنة، ليس في الساحة وحدها، بل في عموم المحافظة، وبالتالي، نجح ناشطوه في تغيير المعادلة التي كانت سائدة في سنوات سابقة، حيث أفضى حراكهم إلى ظهور أشكال احتجاجية جديدة تتسلح بالسلمية، التي أضحت تمثل العنوان الأكثر دلالة للاحتجاجات اليومية المتواصلة منذ أكثر من شهر، الأمر الذي سحب الذرائع من قوى النظام وقوى الاحتلال التي تسنده، وجعلهم في مأزق حيال ما يقوم به أهالي السويداء، وغير قادرين على مواجهة توظيف نشطاء الحراك مطالبهم المعيشية والسياسية، للتعبير عن تطلعات جميع السوريين في التغيير السياسي بوصفه حاجة وطنية عامة.

قد لا أبالغ في القول إن تجربة ساحة الكرامة في السويداء، تمتلك أهمية كبرى في استعادة ناسها فضاءهم العمومي من هيمنة نظام الأسد، وتحويله إلى فضاء تشاركي، يشهد حضوراً لافتاً للمرأة فيه، قيادة ومشاركة، إضافة إلى توظيف فعالياته بشكل سلمي ومتحضّر، مع تزايد الوعي بمخاطر الانزلاق إلى العنف، بوصفه ملعب النظام ونهجه، فضلاً عما يتيحه الفضاء العمومي، بوصفه مجالاً لإنتاج الأفكار والتصورات المشتركة لمختلف فعالياته، وتوفير ممكنات التوافقات الديمقراطية بين قوى الحراك وحساسياته، وطرح مسائل تتصل بتحصين الحراك وتوسيعه وسبل مؤازرته، ومواصلة تعرية وكشف زيف رواية النظام وحلفائه، التي تدعي وجود قوى خارجية تقف خلف الحراك، ونوايا انفصالية لتشكيل إقليم الجنوب الانفصالي وإدارة ذاتية، وسوى ذلك من الافتراءات والأكاذيب، الهادفة إلى تشويه الروح السورية الجامعة لدى ناشطي الحراك.

لم يعد نظام الاستبداد الأسدي قادراً على إحكام قبضته على الفضاء العمومي، خاصة بعد أن تداعت جدران الخوف في مناطق سيطرته، بما فيها الساحل السوري، مع تصاعد الاحتقان، وارتفاع الأصوات الداعية للتغيير، وتلك المنتقدة لممارسات النظام، وانطلاق حركة 10 آب، وحركة الضباط العلويين الأحرار، وسوى ذلك.

إن أكثر ما يخشاه نظام الأسد هو امتلاك السوريين مجالهم العمومي، ولعل حالة الاستنفار الأمني لقوى النظام وشبيحته في مناطق الساحل السوري، تفسر حجم الرعب الذي يشعر به النظام من عودة الحرارة إلى الفضاء العمومي فيها، ومن تمكن أهله من تحريره أسوة بأهل السويداء، وبما يعني امتلاكهم ذلك الحيز المعنوي، الذي يمكنهم فيه عقد النقاشات العامة مع رصفائهم في الوطن، سواء في السويداء أم درعا أم في سائر الجغرافيا السورية، وذلك كي يتمكنوا من اتخاذ القرارات التي تسير الشأن العام، ويصبح في متناولهم تبادل الرأي في ساحات الكرامة، حول واقعهم الذي لا يطاق، واستشراف مستقبلهم، والإعراب عن تطلعهم إلى العيش كمواطنين أحرار على كامل الأرض السورية، بوصفها أرضاً للتعايش المشترك، دون إكراهات من أي نوع كان، لذلك من الطبيعي أن تركز قوى الحراك على وقف الحرب الشاملة التي بدأها النظام منذ 2011 على المجتمع السوري، وإيجاد حل سلمي ينهي عنفه الوحشي، ويمنع ممكنات استمراره فيها.

لقد أصبح تحرير المجال العمومي السوري، المطلب الأكثر حيوية وقدرة على إنتاج صيغ متطوّرة للفعل الاحتجاجي، وقد أعلنت الثورة السورية أهمية دوره في إعادة تمكين السوريين من تحديد ماهية السياسة، بوصفها مشاركة قوى المجتمع وناسه، بمختلف انتماءاتهم ومناطق تواجدهم في قضايا الشأن العام، ولا شك في أن مطالب حركهم الاجتجاجي السلمي منذ انطلاق ثورتهم ما تزال تعكس حقهم في المشاركة في تدبير أمورهم، بما يفضي إلى تأسيس عقد اجتماعي وطني، يعيد صياغة علاقات القوة والثروة، والحاكم بالمحكوم، على أساس قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية وسائر القيم الحديثة.

يرفض الحراك الاحتجاجي أي حل لا يفضي إلى حدوث تغيير سياسي حقيقي في طبيعة علاقة المجتمع السوري بالحكم وطريقته، وفي كيفية إدارة الناس شؤون حياتهم اليومية، بعيداً من تسلط الأجهزة الأمنية والعسكرية، وإنهاء تغوُّلها على الدولة والمجتمع، ورفض الاحتلالات الأجنبية، وكذلك رفض التقسيم الذي تفرضه قوى الأمر الواقع (وفي مقدمها نظام الأسد)، المسنودة بقوى احتلال أجنبية.

المصدر: تلفزيون سوريا

اقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تعيد تقييم الوضع بسوريا
شاهد إصداراتنا: