يكرِّس النظام السوري نفسه عبر فكرة القوة السلبية التدميرية دولياً، لتنضم مناطقه إلى نادي ما يدعى بلغة العلوم السياسية (الدول الهشة والفاشلة) بصفته قوة أمر واقع من ضمن أربع سلطات تدير الجغرافية السورية.

ينقل أحد المقربين من صانعي القرار السياسي والأمني لدى ما يدعى بالقصر الجمهوري أن عدة اجتماعات عقدت في الشهور الأخيرة إبان الاستعدادات للعودة إلى الجامعة العربية، لصياغة تلك الفلسفة بحيث تكون هي المحور في أي لقاءات دولية أمنية أو سياسية..

بدأت الفكرة بالنضوج بعد صدور تأكيدات دولية عن وجود عشرات الأدلة والوثائق والشهادات حول الكبتاغون السوري وصلة النظام به، وصدور قوانين في العالم الغربي لمحاسبة تجاره وكبار مصنعيه، بحيث غدا أمراً واقعاً ولم يعد هناك من مجال لإنكار وجوده إبان اللقاء بالمسؤولين من الدول الأخرى.

واعتماداً على تاريخ طويل في التسويغ الذي يجيده النظام السوري، اجتمع فريق مستشاري الرئيس الأمنيين والسياسيين (علي مملوك وحسام لوقا وهيثم سطايحي وبثينة شعبان) بعد أن قرؤوا مذكرة أعدها سطايحي عن تجربة الرؤساء الكولومبيين خاصة الرئيس إيفان دوكي، وكيف استطاعوا إيجاد قبول لهم دولياً في أكبر بلد لإنتاج المخدرات عالمياً، وقال سطايحي في مسودة الورقة إنه تم إجراء عدد من الاتصالات مع عدد من السياسيين الكولومبيين من أصل سوري ممن هم متحمسون للنظام السوري وفكرة نظرية المؤامرة، ويقول المصدر: تم عرض الفكرة على بشار الأسد فوجدت ترحيباً كبيراً، وتولى هيثم سطايحي صياغتها النهائية، وهو الذي يكتب معظم خطابات بشار الأسد كما هو معلوم لدى الأوساط المقربة.

جوهر الورقة يقوم على أن لدى الدول الأخرى قوة صلبة أو قوة صلبة وناعمة معاً أو قوة نووية تستطيع من خلالها أن تقدم نفسها وتفرض إرادتها أو تجد قبولاً من نوع ما دولياً، وبما أن الأشلاء التي يديرها النظام من سوريا ليس لديها أي من هذه القوى فإن سوريا النظام اضطرت لتشكيل قوة خاصة بها، عبر تجارة الكبتاغون بصفته القوة التدميرية الوحيدة لدى سوريا النظام خاصة ما بعد الحرب، وهو ما يسمى وفقاً للعلوم السياسية القوة السلبية، وتقول المسودة التي أعدها سطايحي، كما يقول المصدر: بعد الحصار والتجويع وتوقف الحرب فإن السيطرة على الجماعات العسكرية لم تعد ممكنة لأنها عاشت واعتاشت فترة طويلة من مرحلة الحرب والنزاع واقتصاده، وإن إعادة إدماجها وفرض سلطة النظام عليها تستدعي تقديم بديل اقتصادي يتمثل فيما يلي:

رفع العقوبات الغربية عن النظام، البدء بإعادة الإعمار، تقديم المساعدات لتنمية المناطق وتقديم بدائل اقتصادية، محاربة الفساد، وإعادة فرض سلطة الدولة.

وهذه المطالب يجب أن تتولى أمرها وتسويقها دولياً الدول العربية الراغبة بإعادة العلاقات مع النظام كي يكون ذلك مدخلاً لتوقيف تجارة الكبتاغون، وبذلك يحرج النظام السوري العالم اعتماداً على طرائق التفكير المعتمدة (حِجاجياً)، في كون توقف حالة سلبية أو شخص عن جريمة أو سلوك يجب أن يرافقه تقديم بديل مواز لما سيفقده.

وتدير هذه المرحلة التسويغية من عمر النظام ظهرها لفكرة أن تصدير الكبتاغون إلى الأعداء هو أحد الواجبات التي يجب القيام بها اعتماداً على فكرة في جوهر طرائق تفكير مرشد الثورة الإيرانية، وفي هذا السياق الكبتاغوني فإن تدمير الأعداء يعني العرب وخاصة الخليج، وبالتحديد السعودية خصوصاً.

اعتاد النظام السوري عبر تاريخه على لعب دور دولي وعربي يسوغ الحاجة إلى وجوده بصفته قوة شر أو جزءاً من محور شر، لأنه لم يستطع أن يقدم نفسه ممثلاً لدولة إيجابية عالمياً، فهو أكثر الأنظمة متاجرة بالقضية الفلسطينية وأكبر عامل في تشتيت الفلسطينيين عبر تاريخهم، وكذلك استأجر الإرهابيين، وأجرى عدداً من التفجيرات الدولية والعلاقة مع الثعلب كارلوس المسجون في فرنسا حتى الآن موثقة، وكذلك تلاعب باللبنانيين..

وكل ذلك كان الهدف منه ابتزاز العالم بالمساعدات والقيام بدور وظيفي، وفرض هيبة له تجعله عصياً على التغيير بل تكتفي الدول شره يإعطائه المساعدات والمعونات. وهذا اعتماداً على أن النظام السياسي السوري في عهد الأسديْن جوهره الإكراه والعسكرة، والعسكري في تاريخ النظام السوري لا يمكنه أن يكون دون سلطة جامحة وغير مقوننة، لذلك قاد الكثير من العسكر السوريين أسوأ الانتهاكات وأبرز عمليات الخروج على القانون، بتشجيع من حافظ الأسد نفسه لتبقى سلطتهم عصا يهدد بها مخالفيه، وكان حين تصله أخبار مخالفاتهم يكتفي بتوصيل رسالة للمخالف بأنني أعرف ما تقوم به، لتبقى تلك المعرفة من أعلى السلطات بالمخالفات سبيلاً للضغط على مرتكب المخالفة، وأنه متى ما أراد الرئيس فتح ملفه فإن الوثائق موجودة!

الملف اللبناني خير مثال عالمياً على قدرة النظام على الاستثمار في الشر والسلبية. وقد أسهم النظام السوري مع أنظمة أخرى في تكريس ثقافة الاستثمار في القوة السلبية التدميرية التي باتت تشكل جزءاً رئيسياً من وجود الأنظمة العسكرية في عدد من الدول الضعيفة، حيث تقدم نفسها عالمياً: إن لم تدفعوا وتغضوا النظر عنا فإننا سنطلق عليكم سهامنا، سواء أكانت كبتاغون أو تهريب بشر أو مخدرات، ولعلنا نذكر في هذا السياق قبل أيام تصريحات لوزير الخارجية المصري موجهة لأوروبا: إما أن تدفعوا أو سنطلق اللاجئين عليكم!

في العودة إلى ملامح من تلك الفلسفة يمكن القول: إن تلك الأنظمة لم تستطع تقديم دولها لتكون مساهمة في الحراك العالمي بأنواع القوة التقليدية من قوة ناعمة أو صلبة أو نووية لذلك لجأت إلى هذا النوع من القوة السلبية عبر تهريب البشر، أو من خلال التطرف وتهديد العالم بالمتطرفين، أو عبر تجارة الممنوعات (الكبتاغون في الحالة السورية). وما ذلك لتقوية الاقتصاد أو تحسين حالة المواطنين؛ بل لتهديد الاستقرار العالمي والإعلان عن حاجة العالم للتنسيق مع هذه الأنظمة وعدم الاستغناء عنها.

غدت سوريا مكاناً مميزاً لإنتاج القوة السلبية بالعالم في السنوات الأخيرة، ها هو النظام وقوى الأمر الواقع في سوريا كذلك مقتدية به تقدم نفسها اليوم: إما ما أريد أو الكبتاغون! وقسد متوجهة للأميركيين والعالم الغربي: إما أنا وإلا داعش! وهيئة تحرير الشام: إما أنا أو سنطلق متشدّدينا نحوكم! وما يدعى بالجيش الوطني موجهاً خطابه إلى تركيا والمواطنين الذين يعيشون هناك: إما أنا أو الكرد والنظام!

لدى النظام السوري في مرحلة ثورة عام 2011 حتى تاريخه محطات عديدة لإطلاق القوة السلبية وتجديد دمها؛ فقد بدأ بفكرة التشدد وإطلاق سراح المتشددين من السجون، وإجراء عدد من التفجيرات الدولية بمساعدة إيرانية، وتسليم عدد من المحافظات لهم وتسليم منطقة الجزيرة للكرد للضغط على تركيا، ومن ثم تهيئة المناخ لداعش وإطلاق جماح الكبتاغون... وقبل كل ذلك فتح الحدود مع الدول المجاروة للضغط عليها لتضغط بدورها على المجتمع الدولي. وإنْ كان هذا الجانب قد ارتد عليه، فمن ظن أنهم تخلص منهم باتوا وبالاً عليه وها هم في المجتمعات الأوروبية اليوم يشكلون أداة ضغط حالية ومستقبلية وكذلك مدخل توثيق وشهود على جرائمه.

نجح استثمار النظام السوري في القوة السلبية للإبقاء على شبه دولة، هشة ومدمرة، تتخلى فيه الدولة عن معظم وظائفها، بل يكون جوهر عمل الحكومات هو التبعية للاقتصاد الروسي والإيراني ومراكمة الفشل وإنتاج جماعات تقوم بتهريب الكبتاغون أقوى من الدولة للتأثير على السلم الاجتماعي العالمي وتهديده، يترافق ذلك مع تعليم منقوص وغياب خدمات صحية وانتشار جريمة وتلوث بيئي وعمالة الأطفال وكثرة الشحاذين والغش وتقليد الماركات العالمية وغياب حقوق الإنسان وهجرة العقول والتهريب وتحلل القيم الاجتماعية.

بلغة العلوم السياسية؛ استطاع بشار الأسد ببراعة ضم المناطق التي يحكمها من سوريا إلى ما يسمى الدول الهشة، وهي تسمية محسنة مما كان سمي دول الشر، وهي مجموعة دول تشغل العالم بنزاعاتها ومشكلاتها وتستنزف طاقاته، وأُطْلِقَ عليها كذلك الدول الفاشلة حيث وجود قانوني دولي ما يزال يمثله النظام السوري، يرافقه تخل لافت عن الدور الوظيفي للدولة، أي أن لها "شرعية قانونية دولياً" لكن ليس لديها شرعية خدمية أو وظيفية أو شعبية، وقد أحسن الديكتاتور السوري كغيره من الديكتاتوريين الإفادة من سيولة النظام العالمي الحالي وخلافاته وتعدد أقطابه بغير انسجام أو وحدة هدف عليا، ففي الوقت الذي يعد بشار الأسد فيه مجرماً بعيون الغرب وقائداً لجغرافيا فاشلة وهشة وشريرة، تستقبله الصين كرئيس دولة بمراسم مبالغ فيها، يا لعجائب الزمان والمكان!

يتابع بشار الأسد بنجاح ومثابرة تقديم أوراق اعتماد الجغرافيا التي يحكمها من سوريا إلى نادي: أكثر البلدان جريمة وأقلها دخلاً وأكثرها لجوءاً وأقل دولة تزور الكهرباء بيوتها وأكثر جوازات السفر قلة ثقة والأهم: أكثر البلدان تصديراً للقوة السلبية عالمياً، متمثلة بالكبتاغون!

شاهد إصداراتنا: 

المصدر: تلفزيون سوريا