الجمعة 03 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.77 ليرة تركية / يورو
40.65 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.90 ليرة تركية / ريال قطري
8.64 ليرة تركية / الريال السعودي
32.39 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.77
جنيه إسترليني 40.65
ريال قطري 8.90
الريال السعودي 8.64
دولار أمريكي 32.39

علم علَوي وآخر سُني يتوسطهما ثالث درزي

04 أكتوبر 2023، 03:14 م
علم علَوي وآخر سُني يتوسطهما ثالث درزي

عمر قدور

كاتب وروائي سوري

04 أكتوبر 2023 . الساعة 03:14 م

شاعت بكثرة صورةٌ لمتظاهِرة في السويداء، رسمتْ على خديها علَمي الثورة و"النظام"، ورسمت على جبينها بيرق الحدود الدرزي، وفي المظاهرة نفسها كان هناك مَن رفع العلمين بعد لصقهما من جهة السواد المشتركة بينهما. ما دفع أحداً ما، لا نعلم ما إذا كان مازحاً أو جاداً، إلى اقتراح علم جامع يتضمن أيضاً الصليب من أجل الطوائف المسيحية والشمس التي ترمز إلى العلَم الكردي.

الذين اعترضوا على دمج العلمين فعلوا ذلك من منطلق عدم جواز المساواة بين واحد يرمز إلى القاتل وآخر إلى الشهداء، أو من منطلق رفض المصالحة مع علم يرمز إلى سلطة الأسد. بينما لم يتم التوقف عند ما تعزّزه الصورة واقتراح العلَم الجامع، فصورة المتظاهرة تضع بيرقاً مذهبياً بين العلَمين، ليبدو الاثنان كبيرقين لطائفتين أخريين، أي للسُنة والعلويين. وهكذا تكون القناعة السائدة، غير المعلنة، أن ما كان يُعرف بعلَم الثورة بات يرمز إلى السُنة لدى نسبة غالبة يرى المنضوون فيها أن الثورة عربية سُنية، ربما مع بعض التنويعات الفردية من منابت أخرى.

مطالب منتفضي السويداء تؤكّد أيضاً على التأويل الطائفي للأعلام، فهم يطالبون بلا لبْس برحيل بشار، ويوالون اجتثاث حزب البعث من بلدات وقرى المحافظة. أي أنهم ليسوا في الوسط بين الأسد والثائرين عليه، وإذا أضفنا الهتافات التي تذكّر بثورة 2011، وتصريحاتٍ للشيخين الهجري والحنّاوي، فإن موقع السويداء هو في ضفة المطالبة بتغيير سياسي جذري. وفق هذا، لا يبقى للتلويح بمكانة السويداء ودورها الوطني "المأمول" سوى توسّطها بين العلويين والسُنة، بأمل المصالحة بينهما على جثة "النظام".

في الأصل، رفع المتظاهرون عام 2011 علم النجمتين الذي صار يرمز إلى السلطة، واعتُمد علم النجمات الثلاث فقط بعدما أوغل الأسد في العنف، وبعدما بدأ الفصل على العديد من المستويات معبَّراً عنه بظاهرة الانشقاق. لكن التنازع بين الجانبين على العلم القديم إلى التنازع بين علمين، كان كلّ منهما العلم الرسمي للبلد، اقترن بكون علم النجمات الثلاث رافق مرحلة الديموقراطية ويصلح كي يكون رمزاً لها، أي أنه بقي مطروحاً كرمز وطني ينافس نظيره الذي اقترن بجرائم السلطة. 

ثم، في الواقع، تراجع المضمون الديموقراطي لدى رافعي علم النجمات الثلاث، وفرضت المعركة الفصلَ بين العلَمين كرمزين لكل من خندقَي المتحاربين. لم تكن المسألة الطائفية غائبة عن الخنادق، لكن انتعاشها بقي في إطار الخطابات اللفظية التي لا يتبناها الأسد صراحةً ولا تتبناها المعارضة بالمثل، في حين ظل علم النجمات الثلاث منبوذاً "بوضوح أو مواربة" من تنظيمات إسلامية سُنية ترفع راياتها الخاصة، وتتنكر للاستحقاقين؛ الوطني والديموقراطي.

وفي أوساط مؤيدة للثورة، من خارج الإسلاميين، كان مفهوماً بلا نقاش مطوَّل أن التفاصل الذي يرمز إليه وجود علمين هو مؤقت حتى يحدث التغيير الديموقراطي، وحينها يختار السوريون العلم الذي يريدون، ومن المرجَّح جداً ألا يكون واحداً من الاثنين لدلالتهما على سنوات الصراع الدموي. بموجب هذه القناعة، لم يكن يُنظر إلى علم النجمات الثلاث كعلم له الديمومة، أو بعبارة أخرى كعلم يمثّل جماعة "أي السُنة"، وسيبقى على تمثيله هذا حتى إذا قبلت الجماعة نفسها بعلم وطني. وعلى القدر نفسه من القناعة، لم يُنظر إلى علم النجمتين بوصفه راية تمثّل العلويين، والمفارقة أن العودة إلى رمزية النجمات في كلّ منهما لا تحيل إطلاقاً إلى أية جماعة أو إلى أي رمز مذهبي بمفرده، ما يعني أن هذه الرمزية هي صناعة حديثة العهد جداً.

لكن اصطناع الرمزية الجديدة مشروط بقبول أطرافها، ومن ذلك أن يكون هناك قبول "علَويّ" بعلَم النجمتين كرمز طائفي منفصل عن الأسد، كرمز باقٍ بعد التخلّي عن الأخير أو المشاركة في إسقاطه. بعبارة أخرى، يتطلب هذا اصطناع طائفية غير متمحورة على السلطة الحالية، والتعبير الأخير يتفرّع إلى اصطناع الطائفة، وإلى تخلّي مؤيدي الأسد من أبنائها عن المماهاة بينه وبين ما يسمّونه "الدولة"، ومن ثم التخلّي عنه. والافتراض نفسه يقتضي في المقابل أن يكون السُنة قد انتظموا تحت علم النجمات الثلاث، لتكون التسوية بين الطوائف في المتناول، بصرف النظر عن العامل الخارجي وتأثيراته.

على نقيض الشروط المنطقية والموضوعية السابقة، لا يمكن إنكار وجود شريحة واسعة تتمنى حدوث المصالحة، ولتكن طائفية، إذا كانت ستُنهي المعاناة الحالية وستوقف نهائياً المقتلة السورية. للسويداء "أو للدروز" مكانة مركزية في هذا التصور، بفضل عدم التورط كطرف في الحرب السورية، ولعدم وجود مشكلة أو مسألة درزية كما هو حال الأكراد مثلاً. يدعم التصور ذاته أن منتفضي السويداء يصرّون على عدم وجود مطالب خاصة بهم، ورغم دنوّهم من شعارات ثورة 2011 إلا أنهم لم يعلنوا القطيعة سوى مع رأس السلطة وأدوات قمعه.

تمنّي حدوث المصالحة، الطائفية في جانب منها أحببنا أو كرهنا، يقوم على حاجة شرائح واسعة "من جميع الأطراف" إلى العيش بأمان وكرامة بعد طول إنهاك واستنزاف، مع شيوع القناعة بأن الأسد لا يمكن أن يحقق ذلك ولا أن يكون شريكاً فيه. في الجهة المقابلة، لم تقدّم المعارضة وعداً ببديل مقنع لمؤيدي الثورة كي يكون مقنعاً للذين كانوا يؤيدون الأسد، بينما تستلهم انتفاضة السويداء الطور الأول الجامع لثورة 2011، لتدمجه مع إرث الثورة السورية الكبرى، وكأنّما هناك مَن يقول: الحل الممكن يبدأ من هنا.

والحل المقصود الممكن يتجلّى بالمراهنة على كسر الثنائية الطائفية "بين السُنة والعلويين"، بتوسط الدروز بين جانبيها، ما ينطوي أيضاً على عدم انتظار تمأسس طائفي "سُني وعلوي" يلتحق بالخطابات الطائفية الصريحة أو المواربة. يُستحضر الآن مثال الثورة السورية قبل قرن لإثبات إمكانية إعادة تأسيس الكيان السوري، ولإثبات قدرة الدروز على التوسط فيه، لتزداد مشروعية هذا الطرح مع الحاجة إلى إعادة اختراع سوريا في غياب تفاهم دولي على تقسيم دائم لها. خارج المسألة الكردية التي لها سياق مختلف، هي المرة الأولى "ربما منذ نهاية السبعينات" التي تتقدم فيها مجموعة سورية لكسر الخطابات التي تكرّس ثنائية طائفية، وهي رسالة "وساطة" للداخل، ورسالة للخارج عندما يكون جاهزاً لالتقاطها.

المصدر: المدن

اقرأ أيضاً:

شاهد إصداراتنا: