إسطنبول - هناء الكحلوت

تساءل كثير من السوريين عن مصير أبنائهم في سجون "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)،

في المناطق المحررة شمال سوريا، والتي سيطرت ميليشيات نظام الأسد وحلفائه على أجزاء منها.

سيناريوهات محتملة

وحول السيناريوهات المحتملة لمصير السجناء في سجون الهيئة، قال سيجرى، إن ملف المعتقلين لدى هيئة تحرير الشام معقد جداً، وخصوصاً وسط الظروف الصعبة حالياً (احتلال نظام الأسد لمناطق محررة).

وبين سيجرى خلال حديثه لموقع "آرام"، أن "هناك تخوفات من تسليم المعتقلين بعد انسحاب الهيئة من بعض المناطق، وتركهم يلاقون مصير الأسْر مرة أخرى، لدى نظام بشار الأسد والميليشيات التي تقتحم هذه المناطق.

وتابع: "نسعى عبر بعض الشخصيات المستقلة للضغط على الهيئة لتحرير المعتقلين وعن طريق الحملات الشعبية"، موضحاً أن "هناك نشاطات على مواقع التواصل الاجتماعي" تعمل لذات الهدف.

وأردف سيجرى لـ "آرام" أن "الهيئة نفذت آلاف الاعتقالات ومعظمها كانت من عناصر الجيش الحر"، مبيناً أن "هناك خطر حقيقي يهدد هؤلاء المعتقلين".

وتبذل القوى الثورية جميع الجهود لحل هذه القضية، وقال سيجرى: "حقيقة لدينا عدد من المعتقلين من عناصر الهيئة ممن تورطوا بجرائم وقبض عليهم، ونحاول الدخول في مفاوضات، وعبر الحملات الشعبية والضغط من خلال بعض الشخصيات".

ما هي أحوال السجن؟

وعاش المعتقلون في سجون الهيئة أوضاعاً مريرة، لا ينسون ذكرياتها مع تقادم الزمن، ووصف سجناء سابقون رحلة العناء والألم التي مروا بها.

ومن هؤلاء السجناء، الناشط الثوري "أبو خالد" (36 عاماً)، من ريف إدلب شمال سوريا، سُجن في سِجن "حارم"، بمحافظة إدلب شمال سوريا، في شهر تموز/ يوليو 2018، واستمر سجنه لمدة شهرين، ليفرج عنه في سبتمبر/ أيلول من العام ذاته.

وروى "أبو خالد" قصته لموقع "آرام"، قائلاً: كان للسجن باباً أسوداً، كتب عليه منظمة "يد بيد سجن سري"، وهو سجن أمني ولا أحد يعرف عنه أي شيء.

ووصف تفاصيل السجن، وقال: إنه "مكون من طابقين تحت الأرض، وفيه 8 مهاجع، وكل مهجع به نحو 30 إلى 40 سجين، وفي السجن قرابة ٥٠ منفردة، وقرابة 160 سجين.

وبيّن أن الكاميرات تراقب كافة أنحاء السجن، كما أنها موجودة في داخل الزنزانة المنفردة.

وأشار "أبو خالد"، إلى انتشار الأمراض مثل السل والالتهابات والربو، والرطوبة الشديدة بسبب عدم التهوية، بالإضافة إلى قلة الطعام إذ يأتي فقط مرتين باليوم.

وأوضح أنه كل يوم يحضرون سجناء جدد يحققون معهم، في ظل تعذيب شديد يستمر لساعات متتالية، يُشبح به السجناء لنحو 12 ساعة متواصلة، وتعلو أصواتهم بالليل، ويصل صوت تعذيبهم وبكائهم وصراخهم إلى الغرف الأخرى بالسجن.

وتابع: "يذهب السجين إلى التحقيق وهو يمشي ويعود وهو محمول في البطانية، وإذا كان لا يوجد عليه أي تهمة، يتركونه في السجن حتى يتعافى جسده وبعدها يخرج حتى لا تصور عائلته جسمه وينشروا صوره".

ومُنع على السجناء، وفق ما أفاد "أبو خالد" لـ "آرام"، الحديث مع بعضهم البعض، وإذا سمع السجّان صوتا من أحد الزنازين انهال بالسياط على السجناء حتى يعلو صوتهم ويسمع كل من في الزنزانات الأخرى، ولا أحد يسأل الآخر أي شيء.

وكان من الصعب عليهم أيضاً، النوم وسط علو أصوات الآخرين خلال التعذيب.

حزن وألم إثر الفراق

وينتاب أهالي السجناء الحزن الشديد على فراق أبنائهم، وفي منشور لوالد أحدهم عبر موقع "فيسبوك"، قال د. عبد العزيز الدغيم:

"ذهب كل الأهل شرقاً وقهراً وبقيت وحدك في بلد الزيتون الحزين، يا رهين المحابس، #إبراهيمي_الأسير_المظلوم".

وتابع: "اللهم انتقم لنا ممن اختطفه و أسره وغيبه في سجون الظالمين، بعيونهم ودمائهم وأبنائهم، اللهم سرطن عظامهم واجعلهم لكل طاغية وباغ عبرة وآية، اللهم اكسر قيده وفك أسره ورده إلينا سالماً معافى يا كريم، اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم".

كم سجناً للهيئة؟

ولهيئة تحرير الشام 31 سجناً في المناطق المحررة شمال سوريا، وتضم هذه السجون وفق ما أفاد ناشطون أكثر من 6000 معتقل من الأحرار الذين قاتلوا النظام الأسدي وتنظيم "داعش" لسنوات.

وأفادت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، في تقرير لها في أغسطس/ آب 2019، أن عدد المخفيين قسراً في سجون الهيئة تجاوز 2000 معتقل، يتم محاكمة بعضهم بمحاكم شرعية، والقضاة غير مؤهلين لتولي مثل هذه المناصب.

وبين أحد النشطاء السوريين لموقع "آرام"، رافضاً ذكر اسمه، أن القابعين في هذه السجون يقسّمون ما بين سجين ومعتقل، والفرق بينهم أن السجين يكون عليه جنح مثل السرقة أو القتل أو ارتكاب مشاجرات أو حوادث، وتسجنهم الهيئة بصفتها السلطة العسكرية لحكومة الإنقاذ.

وأوضح الناشط أن "المعتقلين يغيّبوا قسرياً، إما عبر الخطف أو الاستدعاء للتحقيق وعدم رجوعه بعدها، أو حتى اعتقاله بدون سبب"، مردفاً أنه "غالباً ما تكون الاعتقالات بلا سبب عقب شكوى تصل للهيئة عبر أحد الأشخاص أو من إحدى الفصائل الأخرى، ويبقى الشخص رهن الاعتقال بلا جرم".

وبعض السجون استخدمت لإخفاء الشخصيات المهمة متبعة بذلك سياسة نظام الأسد والمافيات، وفق ما أردف الناشط.

وهذه السجون هي: إﺩﻟﺐ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰي، ﺣﺎﺭﻡ، ﻓﺮﻉ الأﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻲ، ﺍﻟﺒﺤﻮﺙ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻃﺮﻳﻖ ﺣﻠﺐ ﺩﻣﺸﻖ، ﺣﺮﺵ ﺑﺴﻨﻘﻮﻝ، ﺍﻟﻜﻮﺧﻴﺔ ﺳﻬﻞ ﺍﻟﺮﻭﺝ، ﺩﺭﻛﻮﺵ، ﺍﻟﺰﻧﺒﻘﻲ، ﺩﻳﺮ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺭﻳﻒ ﺩﺭﻛﻮﺵ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ، ﻗﺮﻳﺔ ﺑﺰﺭﺓ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺔ ﺯﺭﺯﻭﺭ ﺭﻳﻒ ﺟﺴﺮ ﺍﻟﺸﻐﻮﺭ.

ويوجد أيضاً ﺳﺠﻦ: ﺍﻟﺒﺤﻮﺙ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺳﻬﻞ ﺍﻟﺮﻭﺝ، ﺟﺴﺮ ﺍﻟﺸﻐﻮﺭ، ﺍﻟﺰﻋﻴﻨﻴﺔ، ﻗﺮﻳﺔ ﻣﺰﺭﺓ قرب ﻗﺮﻳﺔ ﺍﻟﻐﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻣﺨﻔﺮ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺒﻴﻀﺔ، ﻣﻌﺴﻜﺮ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ ﺍﻟﺘﺎﺑﻊ ﻷﻧﺼﺎﺭ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﺳﺎﺑقاً، ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺧﺮﺑﺔ ﺍﻟﺠﻮﺯ، ﻣﻌﺴﻜﺮ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺐ ﺑﻴﻦ ﺧﺮﺑﺔ ﺍﻟﺠﻮﺯ ﻭﺍﻟﺰﻭﻑ، ﺍﻟﻤﻨﻄﺮﺓ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻠﻨﺪ، ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺓ قرب ﺳﺮﻣﻴﻦ، ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﺑﺠﺒﻞ ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ، 700 ﺑﺮﻳﻒ ﺣﻠﺐ.

وبالعودة إلى بداياتها، ظهرت جبهة النصرة في العام 2012، بهدف نصرة أهل الشام، وكان من مكوناتها الكثير من غير السوريين، وبعدها بدؤوا بالاعتداء على "الجيش الحر" فصائل الثوار، والشعب.

وغطّت جبهة النصرة نفسها باسم "هيئة تحرير الشام" في العام 2017، كما تشكلت حكومة الإنقاذ بإدلب وكانت الهيئة جناحها العسكري، واستلمت حينها ملف السجون، لتختلط الأمور بعدها ما بين الجنح الجنائية والمعتقلين السياسيين.

وأنشأت الهيئة سجوناً أمنية مخفية وخطفوا واعتقلوا وأخفوا الناس قسرياً، ومنذ ذلك الوقت يوجد آلاف المعتقلين الذين لا يعرف مصيرهم.