الإثنين 06 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.92 ليرة تركية / يورو
40.78 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.62 ليرة تركية / الريال السعودي
32.35 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.92
جنيه إسترليني 40.78
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.62
دولار أمريكي 32.35
...

الجذور الباطنية للدولة الفاطمية

11 مارس 2020، 10:22 ص

استغلت الحركات السرية المتكتمة ضعف الخلافة، وراحت تنشط لإيجاد أرض لها ، وتغوي الناس بستار ظاهره التشيع، وباطنه الكفر المحض، واستطاعت الحركة الإسماعيلية السرية التي تتخذ من بلدة (سلمية)  مقراً لها أن تجد أرضاً خصبة في شمال إفريقيا بعد أن مهد لها، وأزال العقبات من طريقها داعيتهم الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا الصنعاني الملقب، بأبي عبد الله الشيعي، وقد وصف بأنه من الرجال الدهاة، ودخل إفريقيا وحيداً بلا مال ولا رجال، ولم يزل يسعى إلى أن ملكها، وكان رئيسه في الدعوة ابن حوشب قد كلفه بأن يلتقي بقبيلة كتامة من المغرب في موسم الحج، وعندما التقى بهم استطاع بدهائه أن يؤثر فيهم، ويتلاعب بعقولهم، وأعجبوا به، فرحل معهم إلى بلادهم، والتفَّت عليهِ قبيلة كتامة وغيرها، وحارب القبائل الأخرى وسقطت مدن المغرب الأوسط سجلماسة، وملية، وتاهرت، ورقادة، حتى إذا ما مهَّد للأمر واستقرت به الأحوال، أرسل إلى زعيم الدعوة طالباً إليهِ المجيء ليسلم إليهِ مقاليد الأمور.

وهذا الزعيم هو عبيد الله من ذرية عبد الله بن ميمون القداح الفارسي الباطني على رأي بعض المؤرخين، والبعض يقول: إنه ربيب الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح، ولكنه زعم أنه من ذرية فاطمة، رضي اللهُ عَنها، وأكثر العلماء، والمؤرخين، والنسابين ينفون عنه هذا النسب، واستطاع عبيد الله النجاة من المراقبة الشديدة التي وضعت عليهِ بعد مغادرتهِ لبلاد الشام، وحتى وصوله إلى المغرب، ولكن والي سجلماسة ظفر به وأودعهُ السجن، ولم يقتله، وهذا من الغفلةِ المعهودة، ثم إن أبا عبد الله الشيعي استطاع إنقاذه وتقديمه للناس إماماً للدعوة، وقد بايعه هؤلاء ولقب نفسه المهدي، وهو مؤسس الدولة العبيدية التي تسمى بـ (الفاطمية) ، وهذه الدولة دولة باطنية وليست فاطمية، وهذا رأي أكثر علماء الأمة الذين حققوا نسبهم، وعلموا بواطنهم، وأسرارهم .

أ ـ عقيدتهم وصلتهم بالقرامطة:

إن كثيراً من الكتاب المحدثين الذين كتبوا عن الدولة العبيدية لا يذكرون إلا سيرتهم السياسية ولا يتطرقون

من قريب أو بعيد إلى سوء اعتقاد ملوكها، وأنهم باطنيون، وإنْ أظهروا خلاف ذلك، لأنهم يستعملون التقية أمام الشعب الذي يحكمونه، وعندما استولى السلطان صلاح الدين، وعزم على عزل العاضد آخر ملوكهم استفتى العلماء في قتله فأفتوه بجواز ذلكَ لما كان عليهِ العاضد، وأشياعه، من انحلال العقيدة، وكان أكثرهم مبالغة في الفتيا الشيخ نجم الدين الخبوشاني، فإنه عدَّد مساوئ هؤلاء القوم وسلب عنهم الإيمان.

يقول ابن خلكان: «وكان العاضدُ شديد التشيع متغالياً في سب الصحابة، وإذا رأى سنياً؛ استحلَّ دمه» .

وصلتهم بالقرامطة الملاحدة صلة أكيدة، ودعوتهم دعوة واحدة، فقد كتب المعز إلى القرامطة عندما سمع بنبأ محاولتهم حصار مصر، يذكر فضل نفسه، وأهل بيته، وأن الدعوة واحدة، وأن القرامطة إنما كانت دعوتهم إليه وإلى آبائه من قبله.

ويقول الإمام الشاطبي: أما الدجالون فمنهم: معد من العبيدية الذين ملكوا إفريقية، فقد حكي عنه أنه جعل المؤذن، يقول: أشهدُ أن معداً رسول الله، فهمّ المسلمون بقتله: (أي: المؤذن)  ثم رفعوه إلى معد ليروا هل هذا عن أمره، فلما انتهى كلامهم إليه، قال: اردد عليهم أذانهم لعنهم الله.

وعندما أقدم أبو طاهر القرمطي على شناعاته، وإجرامهِ، وأعماله الكفرية في مكة، بلغ ذلكَ عبيد الله المهدي كتب إليهِ ينكر عليه ذلكَ ويلومه يقول: قد حقَّقت على شيعتنا، ودعاة دولتنا اسم الكفر والإلحاد بما فعلت، وعندما قُبض على الباطنيين في بغداد وكانوا يكاتبون القرامطة، قال أحدهم: إمامنا المهدي محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق المقيم في بلاد المغرب.

وفي حوادث (414 هـ)، قام رجل من المصريين (العبيديين) لضرب الحجر الأسود بألة ثقيلة والسيف في

يده الأخرى، وهو يقول: إلى متى يعبد الحجر الأسود، ومحمد، وعلي، فتمكن منه أحد الحجاج من اليمن فضربه بخنجر فقتله.

وكل الإرهاب الذي زرعهُ الحشاشون في أنحاء العالم الإسلامي إنما هو ثمرة من ثمار الدعوة الإسماعيلية العبيدية الفاطمية في مصر، فإن حسن الصباح ـ زعيم قلعة آلموت ـ الذي أرسل رجاله يقتلون العلماء، والأمراء المجاهدين، إنما تلقى الدعوةَ على أيدي أصحابها في مصر.

وقد ناقش مجموعة من العلماء، وطلاب العلم عقائدهم مثل الدكتور سليمان السَّلومي في كتابه (أصول الإسماعيلية) ، وأستاذي وشيخي الدكتور أحمد محمد جلي في كتابه (دراسة الفرق في تاريخ المسلمين الخوارج والشيعة) ، والأستاذ علوي طه الجبل في كتابه (الشيعة الإسماعيلية رؤية من الداخل) ، والدكتور محمد أحمد الخطيب في كتابه: (الحركات الباطنية) ، والدكتور غالب العواجي في كتابه (فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام) ، والأستاذ محمد بن أحمد الجوير في كتابه (الإسماعيلية المعاصرة)  فمن أراد التوسع فليرجع إليها.

ب ـ حكم العلماء في الفرق الباطنية:

يقول الإمام محمد محمد الغزالي في كتابه (فضائح الباطنيَّة)  ـ وهو من مشاهير أهل العلم الذين خبروهم وعرفوا أسرارهم ـ: إن مذهب الباطنية مذهب ظاهره الرفض وباطنه الكفر المحض.

وحينما تحدث البغدادي في الباب الرابع من كتابهِ (الفَرق بين الفِرق) ، وضع عنواناً لهذا الباب قائلاً: بيان الفِرق التي انتسبت إلى الإسلام وليست منه، ثم ذكر من هذه الفرق الباطنية، وقال: إن ضررها على فرق المسلمين أعظم من ضرر اليهود، والنصارى والمجوس، بل أعظم من مضرة الدهرية، وسائر أصناف الكفرة عليهم؛ بل أعظم من ضرر الدجال الذي يظهر آخر الزمان، لأن الذين ضلوا ببدعة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم إلى يومنا أكثر من الذين يضلون بالدجال في وقت ظهوره، لأن فتنة الدجال لا تزيد مدتها على أربعين يوماً، وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر...، إلى أن قال: الذي يصح عندي من دين الباطنية: أنهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم، وينكرون الرسل والشرائع كلها لميلهم إلى استباحة كل ما يميل إليهِ الطبع، وفي آخر الباب قال: وقد بينا خروج فرق الباطنية عن جميع فرق الإسلام بما فيهِ كفاية، والحمدُ للهِ على ذلك.

وفي كتابه (أصول الدين)  ذكر: أن طائفة الباطنية خارجة عن فرق الأهواء وداخلة في فرق الكفر الصريح، لأنها لم تتمسك بشيء من أحكام الإسلام في أصوله، ولا في فروعه، وأن دعاتهم خالفوا المسلمين في التوحيد، والنبوات، وفي تأويل الآثار والآيات، وأنهم كانوا دعاة المجوس بالتمويه إلى دين الثنوية. وبعد أن يستعرض عقائدهم يقول: واختلف أصحابنا في حكمهم. فمنهم من قال: هم مجوس، وأجاز أخذ الجزية منهم، وحرم ذبائحهم، ونكاحهم، ومنهم من قال: حكمهم حكم المرتدين إن تابوا، وإلا قتلوا، وهذا هو الصحيح عندنا.

ثم ساق البغدادي بعد ذلكَ فتوى الإمام مالك في الباطني، والزنديق، وأنه قال عنهما: إن جاءا تائبين ابتداء قبلنا بالتوبة منهما، وإن أظهرا التوبة بعد العثور عليهما لم تقبل التوبة منهما، وأنَّ هذا هو الأحوط فيهم.

وتحدث ابن حزم: عن دار السلام ودار الحرب، واعتبر: أن الأراضي التي حكمها بعض الفرق الباطنية تعتبر دار كفر، وذلكَ لصريح كفرهم، وذلكَ كالقرامطة مثلاً وهم من فرق الإسماعيلية.

وأما ديار العبيديين لظهور الإسلام فيها، فإنها وإن حكمها العبيديون تعتبر دار إسلام، وإن كان حكامها في حقيقة أمرهم كفاراً، يقول ابن حزم عن ذلكَ: إن من سكن في طاعة أهل الكفر من الغالية كالعبيدين، ومن جرى مجراهم لا يعتبر كافراً؛ لأن أرض مصر، والقيروان، وغيرهما ؛ الإسلام فيها هو الظاهر وولاؤهم على كل ذلكَ لا يجاهرون بالبراءة من الإسلام بل إلى الإسلام ينتمون، وإن كانوا في حقيقة أمرهم كفاراً، وأما من سكن في أرض القرامطة مختاراً؛ فكافر بلا شك؛ لأنهم معلنون بالكفر وترك الإسلام. فابن حزم يجزم بكفر القرامطة، والعبيديين، وهما من الإسماعيلية ؛ حيث الأولى فرقة من فرقهم، وأما العبيديون فإنهم أئمةُ الإسماعيلية في فترة الظهور، وعددهم اثنا عشر حاكماً.

ويصف الشاطبي الباطنية، بأنهم ثنوية دهرية إباحية ينكرون النبوة، والشرائع، وأمور المعاد، بل إنهم ينكرون الربوبية.

وأما ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقال لما سُئل عنهم: إن جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين ذكروا بطلان نسبهم، حتى صنف العلماء في كشف أسرارهم، وهتك أستارهم، ومن ذلك: القاضي أبو بكر الباقلاني ؛ ألف كتابه المشهور في كشف أسرارهم، وهتك أستارهم، وذكر أنهم من ذرية المجوس، وذكر من مذاهبهم ما بيَّن فيه أن مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى، بل ومن مذاهب الغالية الذين يدعون ألوهية علي، أو نبوته فهم أكفر من هؤلاء.

كذلكَ القاضي أبو يعلى في كتابه: (المعتمد)  ذكر فصلاً طويلاً في شرح زندقتهم، وكفرهم، وكذلك أبو حامد الغزالي ذكر في كتابه الذي سماه (فضائل المستظهرية وفضائح الباطنية) ، بأن ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض، وكذلكَ القاضي عبد الجبار ابن أحمد، وأمثالهُ من المعتزلة المتشيعة يجعلون هؤلاء من أكابر المنافقين الزنادقة، فهذه مقالة المعتزلة في حقهم، فكيف تكون مقالةُ أهلِ السنة والجماعة، والرافضة الإمامية يعلمون أن مقالة هؤلاء مقالة الزنادقة المنافقين، ويعلمون أن مقالة هؤلاء الباطنية شر من مقالة الغالية الذين يعتقدون إلهية علي رضي اللهُ عنه إلى أن قال: ... وبالجملة فعلم الباطن الذي يدَّعون مضمونه الكفر باللهِ وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

وأما ابن القيم فقال فيهم: ومن أشر طوائف المجوس الذين لا يقرون بصانع، ولا معاد، ولا نبوة، ولا حلال، ولا حرام: الخرمية أصحاب بابك الخرمي، وعلى مذهبهم طوائف القرامطة، والإسماعيلية، والنصيرية، والدرزية، وسائر العبيدية يسمون أنفسهم الفاطمية، وهم من أكفر الكفار، فكل هؤلاء يجمعهم هذا المذهب، ويتفاوتون في التفصيل ؛ فالمجوس شيوخ هؤلاء كلهم وأئمتهم وقدوتهم، وإن كان المجوس قد يتقيدون بأصل دينهم وشرائعهم، وهؤلاء لا يتقيدون بدين من ديانات العالم ولا بشريعة من الشرائع.

ونقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إجماع أهل العلم على كفر أئمة الإسماعيلية (العبيدية)  وقال: إن بني عبيد لما أظهروا الشرك، ومخالفة الشريعة، وظهر منهم ما يدل على نفاقهم وشدة كفرهم ؛ أجمع أهل العلم على أنهم كفار يجب قتالهم، وأن دارهم دار حرب، ولذلكَ غزاهم المسلمون، واستنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.

 

 

إذاً فالأصل العقائدي المؤسس للدولة العبيدية الفاطمية، هو العقيدة الباطنية التي تفرعت عنها كثير من الفرق والطوائف والتي أضرت بالإسلام وأهله أيما ضرر، وهذه الدولة وإن كانت قد اندثرت وأراح الله منها العباد والبلاد، إلا أن أتباع هذه العقيدة التي ينتمي إليها أصحاب هذه الدولة مازالوا متواجدين في كل زمان من مراحل التاريخ الإسلامي، وفي كل مكان من خريطة العالم الإسلامي، يعيثون في الأرض فساداً فيتآمرون على الأمة وعقيدتها، ويدبرون المكائد بالتحالف مع أعدائها، متبعين مذهب التقية في بعض الأحيان ومجاهرين في أحيان أخرى. ولذلك وجب على كل مسلم أن يحذر من خطرهم وأن يقاوم ويحارب فكرهم وفرقهم، فالمؤمن فطن حذر، وهو من يتولى صون الدين وحماية بيضة الأمة.

 

المصادر والمراجع:

* علي محمد محمد الصلابي، دولة السلاجقة، (2006)، مؤسسة اقرأ، القاهرة، ط1، صفحة 55:48.

* سليمان عبدالله السلومي، أصول الإسماعيلية، (2001)، دار الفضيلة، الرياض، ط1، صفحة 2/66.

* أبو منصور عبدالقاهر بن طاهر البغدادي، طه عبدالرؤوف سعد، طبعة مؤسسة الحلبي وشركائه في القاهرة، صفحة 220، 265، 266، 278، 299.

* أبو حامد الغزالي، فضائح الباطنية، اعتنى به وراجعه محمد علي القطب، (2000)، المكتبة العصرية، صيدا بيروت، ط1، صفحة 37.