لعلّ مِن أصدق المشاعر الّتي تنبض بها القلوب في خلوتها اليوم ذلك الحبّ الصّادق لكلّ بني الإنسان، نعم هو الإنسان الّذي لم نعرف قيمته إلّا بعد أن عشنا ألم البعد عنه ، فنادت الأرواح مِن الأعماق: واشوقاه إلى الّلقيا.
تلك الّلقيا المفعمة حبّاً لإخوتك في الإنسانيّة ، نعم إنّهم إخوتك بنو أمّك وأبيك ، الّذين اشتدّ قربهم منك زماناً فكان قربُ المكان حجاباً بينكم ، فلما تباعدتم زالتِ الحجب وبدتْ وراءها لواعج الشّوق.
كان أباؤنا إذا سارَ واحدهم طويلاً منفرداً في الفلاة ثمّ التقى بإنسان أيّ إنسان بعد ذلك السّير لا يملك مشاعره عند أوّل لقيا فيقول متلهّفاً : :يا حيّى الله ريحة بني آدم " ، حقّاً إنّ لبني آدم رائحة ذاتُ عهد قديم تأسرك بسرّها حبّاً وطيباً وشذى.
ما أجمل أن نعيش في عزلتنا وخلوتنا تلك المشاعر الّتي صعدتْ بها بلابل مهجة إقبال ليبين عنها منطقه ولسانه صادحاً في أروع لحظات الصّفا :
لم ألقَ في هذا الوجود سعادةً
كمودّة الإنسان للإنسان
لمّا سكرت بخمرها القدسيّ لم
أحتج إلى تلك الّتي في الحان .
تعال أيّها الإنسان نملأ قلوبنا شوقاً إلى هذه اللقيا الّتي ستأتي طيّبة غامرة بغير ميعاد ، و لنجعل مِن بُعدنا حياة يذكي ضي اها الرّجاء ، متشوِّقاً إلى أروع لقيا بين القلوب و الأرواح سامياً بها فوق عالم الأجساد والأشباح.