الإثنين 06 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.92 ليرة تركية / يورو
40.78 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.62 ليرة تركية / الريال السعودي
32.35 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.92
جنيه إسترليني 40.78
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.62
دولار أمريكي 32.35
...

تعددت المشاهد .. والفيروس واحد

18 ابريل 2020، 02:25 م

من الإغلاق المطبق في ووهان الصينية مصدر فيروس كورونا المستجد إلى مناعة القطيع وإصابة الراعي في بريطانيا، جال الوباء أصقاع الأرض شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وفعل ما لم يفعله الاسكندر المقدوني؛ واختلفت الدول والمجتمعات في التعاطي مع هذه الجائحة التي بثت الرعب بين البشر. فمنذ أربعة أشهر على ظهور الفيروس تضاربت الآراء والمعلومات الطبية عن ماهيته؛ فمن قائل إنه ينتقل عبر الهواء وقائل بعدمه، وإنه لا يعيش في الجو الحار، لتأتي معلومة مضادة، ولا يصيب الأطفال ويفتك بكبار السن لنرى وقائع تفند ذلك.

وأريد هنا تسليط الضوء ورصد ردود الفعل والإجراءات المتخذة لمواجهة هذا الوباء في دول بعينها شهدت تنوعاً في أساليب التعاطي معه.

تأويلات وتفسيرات

لقد نظر الناس إلى هذا الفيروس من زوايا مختلفة تبعاً لموقعهم وخلفيتهم الثقافية والعلمية والعقدية. فمن الساسة من رأى فيه سلاحاً بيولوجياً استخدم للإطاحة بالخصوم بدلاً من استخدام الأسلحة المعروفة في الحروب، لدرجة وصف الرئيس الأمريكي له بأنه فيروس صيني (صنع في الصين)؛ وتعالت أصوات تطالب بإجراء تحقيق في ذلك، بتهمة أن الصين قد أطلقته عن قصد، أو أنها تسترت عليه بعد تفلته من مختبراتها، في أحسن الأحوال. فيما يعتقد آخرون أنه من صنع المافيات الاقتصادية، كالجوائح السابقة، لإجبار الناس على شراء المصل الذي تصنعه شركاتها لجني الأرباح الطائلة من وراء ذلك. ومن ناحية أخرى، يظن البعض أن الغاية تقليل سكان الأرض والقضاء خصوصاً على الفئات غير المنتجة كنتيجة لطغيان المادية الرأسمالية. في حين تراوحت تأويلات المتدينين على اختلاف مشاربهم بين من يراه تجسيداً لغضب الإله على التجبر والتكبر، إنْ على صعيد الأفراد أو الدول، حيث أنه لم يستثنِ جغرافية بعينها، أو من رأى فيه عقوبة عاجلة على تقصير العباد وتذكيراً لهم بضرورة المراجعة والتأمل والتفكر. في الوقت الذي لم تكترث بهذا الوباء مجتمعات تعتقد بأنه حالة عرضية من شأن الطبيعة أن تتكفل بها أياً كانت النتائج سيما في ظل العجز البشري حتى الآن للتغلب عليه.

مسافات أمان .. وتقييد للتجول

ربما كانت سياسة التباعد الاجتماعي الوحيدة المجمع على ضرورة تطبيقها بين الدول، مع فارق الالتزام والتطبيق من منطقة لأخرى. فمن الناس من تقيد بها لدرجة مقبولة، ومنهم من شعر بصعوبتها تبعاً للطبائع الاجتماعية في مجتمعات مبنية على التقارب الأسري والاجتماعي كنمط حياة بأعداد كبيرة وبمسافة صفر. في السويد – مثلاً – لا تزال قاعدة مناعة القطيع هي المعمول بها رغم وجود إصابات ووفيات، معللين اتباع هذه الطريقة بأن جهاز المناعة لدى الإنسان، في ظل وباء كهذا، يطور ذاكرة مناعية تمكنه من التعامل معه وبالتالي يتوقف انتشار الفيروس. هذا في ظل عدم اكتشاف لقاح له، وأن الحياة يجب أن تستمر، خصوصاً أن المرض يمكن أن يستمر بشكل دائم كالإنفلونزا. أما في بريطانيا، فقد تراجعت الحكومة عن هذا الأسلوب بعد تفشي الوباء بشكل مخيف حتى أنه أصاب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي أدخل العناية المركزة وخرج معافى فيما بعد، وتم إيقاف معظم أنشطة الحياة باستثناء الحيوي منها.

لقد اتبعت الصين بمزاجها الشيوعي إجراءات أكثر صرامة في فرض حجر منزلي وحظر تجوال في ووهان على وجه الخصوص، تحولت معها إلى مدينة أشباح، وظلت الشوارع خاوية حتى استطاعت خلالها وقف انتشار الفيروس إلى أن عادت الحياة مؤخراً إلى طبيعتها بعدما خسرت ما خسرت من الضحايا. وبالذهاب إلى إيطاليا، إذ ارتفع عداد الوفيات حتى زاد عن الوفيات المعلنة في الصين؛ فأوقفت النشاطات في البلاد باستثناء القطاعات الضرورية. ثم جاء الدور على إسبانيا، ففتك بها الوباء إلى أن استقر منحنى الإصابات؛ ليرتفع في الولايات المتحدة حيث أظهر التعامل مع الوباء تخبطاً لدى الإدارة الأمريكية. وصرنا نسمع أن البيت الأبيض تجاهل تحذيرات في بداية ظهور الفيروس لمنع الدخول إلى الولايات المتحدة لا سيما القادمين من الصين، حتى اتخذ القرار متأخراً بضرورة الحجر على القادمين منها أربعة عشر يوماً.

فيما امتازت التجربة التركية بالتوفيق بين تحقيق التباعد الاجتماعي وتقييد الحركة على نحو ما وبين استمرار مظاهر الحياة بالحد الأدنى المقبول، بحيث تستمر عجلة الاقتصاد بالدوران وتؤخذ الاحتياطات اللازمة لحماية المواطنين والمقيمين فيها. فمنعت خروج من هم دون العشرين من العمر وأولئك والذين تجاوزوا الخامسة والستين، وذلك بالتزامن مع وقف الدراسة بكافة مراحلها، وإغلاق المقاهي والملاهي، وحظر التجمعات في المناسبات الرسمية والاجتماعية، والحد من الأعمال والأنشطة غير الضرورية، فيما واصلت القطاعات الحيوية ومعامل المستلزمات الصحية أعمالها. وتكللت الإجراءات المتخذة بالإفراج عما يقرب من تسعين ألف سجين في البلاد باستثناء مرتكبي جرائم لا يشملها العفو عادة.

كورونا .. والانكشاف الأخلاقي

كان مؤلماً حقا رؤية مشاهد المسنين وقد تعرضوا للإهمال نفسياً وطبياً في دور الرعاية في إسبانيا حيث فارقوا الحياة على أسرّتهم بحسب وزيرة الدفاع الإسبانية. وفي بريطانيا لم تدرج أسماء المئات من المسنين الذين قضوا بالفيروس ضمن إحصائيات الوفيات كما جاء في صحيفة "ديلي ميل" للعجز عن تقديم الرعاية اللازمة لهم باعتبارهم الشريحة الأضعف في وجه الجائحة. هذا فضلاً عن مشاهد التخلص من الجثث بالحرق تارة والدفن في مقابر جماعية تارة أخرى، في ظل غياب الطقوس الاجتماعية والإنسانية التي يفرضها الموقف بالأحوال العادية. وأما الصورة المشرقة بهذا الخصوص فتأتينا من تركيا التي تكفلت بإيصال المتطلبات لكبار السن ممن منعوا من الخروج، وتلبية احتياجاتهم المعيشية والصحية ما عكس احتراماً وتقديراً لسنهم ومقامهم.

وفي سياق ذي صلة، تكشفت أيضاً العورات الأخلاقية على مستوى الدول، فصرنا نسمع عن قرصنة شحنات مواد طبية أرسلت من دولة لأخرى فاستولت عليها ثالثة نتيجة الحاجة الماسة للكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي. وفي الحقيقة، تفاجأ الكثير من الناس بعجز البنى الصحية في بعض الدول المتقدمة، إذ لم تلبي منشآتها الطبية وتجهيزاتها ومخزوناتها متطلبات التعاطي مع هذه الجائحة، وبرزت تساؤلات عن أوجه صرف مقدرات تلك الدول الهائلة، وأنها توضع في غير موضعها. فكان حرياً بها تطوير بناها الأساسية والعمل على رفع مستوى خدماتها بدلاً من بذلها في إذكاء الحروب والنزاعات هنا وهناك. لقد منعت أمريكا – أعظم دولة في العالم – تصدير المستلزمات الطبية وأجهزة التنفس، فيما أرسلت الصين منتجات كهذه لعدد من الدول ثبت عدم فاعليتها ورداءة جودتها. ومرة أخرى تبرز تركيا كإحدى الدول التي تفردت بالاستجابة والتعامل مع هذا الوباء. فمن جهة البنية الصحية، تتواجد فيها كبريات المشافي والمدن الطبية على مستوى العالم، كما أن فيها أكبر نسبة من غرف العناية المركزة قياساً إلى عدد السكان، فضلاً عن الكوادر البشرية، والمستلزمات اللوجستية ما يفيض عن حاجة البلاد لدرجة أنها تلقت طلبات من عشرات الدول لمدها بما يلزم، ناهيك عما تم إرساله كمساعدات حظيت باستحسان وشكر دول الناتو وغيرها.

مهاجرون .. على خطوط الجبهة

في مقابل هذا الانكشاف السلبي للأخلاق، ثمة ظهور إيجابي في الطرف الآخر من المشهد تجسد بما لا يخفى على المتابعين لتفاصيل هذه الأزمة بتصدي أفراد الأطقم الطبية من المهاجرين لهذا الوباء؛ حيث قضى كثير منهم بسبب إصابتهم بالفيروس، وكانوا كالمرابطين يعملون بكل طاقاتهم حتى بذلوا أرواحهم إخلاصاً لواجبهم المهني والأخلاقي. ففي إسبانيا وإيطاليا على وجه الخصوص توفي عدد من الأطباء الذين هاجروا من بلدان الشرق الوسط وغيرها؛ وساهم هذا التفاني في الأداء بتغيير النظرة السلبية تجاه المهاجرين حيث ضربوا أمثلة رائعة للتضحية والبذل. كما كان لافتاً وجود عدد من الباحثين من المهاجرين ضمن فريق البروفيسور الفرنسي راؤول ديدييه عند زيارة الرئيس الفرنسي إلى المركز الذي يجري العمل فيه على تطوير عقار لعلاج الفيروس.

بالنتيجة، وضعت هذه الجائحة العالم على المحك، أفراداً وجماعات ودولاً، على حد سواء، وعملت على كشف الأخلاقيات والسلوكيات وميزت بينها، كما فاضلت بينها على سلم النجاح في إدارة الأزمات.