الأحد 21 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

خلاف بوتين والأسد واقتصاد الفساد

29 ابريل 2020، 02:12 م
خلاف بوتين والأسد واقتصاد الفساد

سميرة المسالمة

إعلامية سورية

29 ابريل 2020 . الساعة 02:12 م

يعوّل سوريون في الحديث عن نهاية قريبة لحكم بشار الأسد على بوادر خلاف بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس ما يمكن تسميتها اليوم المحمية الروسية (سوريا)، معتبرين أن من علامات انتهاء صلاحيته الرئاسية هو نقد بعض الإعلام الروسي مظاهر الفساد في منظومة العمل الاقتصادي السوري، بذريعة أن هذا النقد لا بد أنه يمثل وجهة نظر رسمية روسية، بحكم إعلام روسيا المسيطر عليه، وعلى ذلك بدت مرحلة ما بعد الأسد للقرّاء قاب قوسين أو أدنى، بعد انتهاء العالم من مشكلته الوبائية كورونا (كوفيد- 19).

صحيحٌ أن الاقتصاد ممسوكٌ من منظومة الحكم في سوريا، وهو جزءٌ أساسي في المنظومة الأمنية قبل انطلاق الثورة عام 2011، ويقع ضمنها وليس إلى جانبها، بحيث تكون بشكل هرمي يقبع الرئيس على تلّتها، مستفيداً أول يوزع ما يريد على الشركاء والأتباع، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذه المنظومات التي تتشكل منها سلطة الأسد تتوافق فيما بينها، أو أنها تعمل وفق تفاهمات الشركاء المتحالفين، لأن القاعدة في الحكم كانت ولا تزال تأخذ مبدأ "فرّق تسد"، وكانت وسيلةً لإبقاء يد الرئيس فوق كل يد، وهي بمثابة لعبة جاسوسية رخيصة التكاليف.

كان الاقتصاد السوري، بعد عام 2000، يحتاج ثورة هادئة في منظومته القانونية، ليس لغاية إصلاحه، ولكن لإحكام الهيمنة عليه خلال فترة مهمة، سمّيت مرحلة الاستثمار الخارجي أو قانون الاستثمار رقم 10 وتعديلاته، وروّجها وجود بشار الأسد في سدّة الحكم والآمال التي انعقدت بسبب معايشته التجربة الأوروبية خلال دراسته في لندن.

لكن ما حدث لاحقاً هو تمكين قانوني لهيمنة عائلة الأسد وأتباعهم على أهم قطاعات الاستثمار في سوريا (الاتصالات ولاحقاً العقارات)، ممثلة بابن خاله رامي مخلوف واجهة واضحة أو بشركاته القابضة، سواء التي يدخل فيها شريكاً إجبارياً واضحاً، أو يترك الشهرة في غيرها لأسماء أخرى.

يمكن القول: إن واقع الهيمنة على الاقتصاد بقي على حاله بعد الثورة فترة قصيرة، إلا أن خروج شخصياتٍ اقتصاديةٍ كبيرة، من السوريين السنة تحديداً، بعد الثورة إلى مصر والإمارات ولبنان، وتخليها كلياً أو جزئياً عن الشراكة مع مخلوف، غيّر في خريطة أسماء الاقتصاديين؛ ما أفرز أسماء جديدة "اخترع" معظمها رامي مخلوف، وحوَّلها إلى أسماء تواجه أسماء يحميها رؤساء الأجهزة الأمنية، ليصبح مخلوف في مواجهة أسماء بتبعيات أمنية كبيرة، ولاحقاً دولية (إيران وروسيا) للحفاظ على مكتسباته، ومخلوف عملياً يمثل قوة فاعلة اقتصادية وعشائرية ومجتمعية في محيطه، وله شركاء صوريون كثيرون، وهذا ما لا يستطيع تجاهله بشار الأسد الذي ألقى، بداية الثورة، اللوم على رامي مخلوف، واتهمه بأنه السبب في ثورة السوريين ضده (وهنا كانت نقطة التحول في الخلاف الاقتصادي العائلي)؛ ما جعل مخلوف يرد عليه في مؤتمر صحفي في 6 يونيو/ حزيران 2011، ويعلن تحويل مشاريعه ليستفيد منها ذوو الدخل المحدود، ويتبرّع بالأرباح للجمعيات الخيرية، ثم لم يحدث شيء من هذا.

من هنا بدأت مساحة المحيطين بشقيق الرئيس (ماهر الأسد) تتوسع، من أمثال محمد حمشو وسامر الفوز، يضاف إليهم أولاد بشير القاطرجي الذين انشقّوا عن رئيس الأمن الرئاسي اللواء ذي الهمّة شاليش، وأسسوا لشراكة مع روسيا، وغيرهم من الأسماء الجديدة في الشارع السوري، ومنهم من عاد بعد فراق سوريا سنوات، كحال نادر قلعي الذي انشق عن مخلوف، ليعود بحماية بشار الأسد مباشرة، إضافةً إلى شخصياتٍ جاءت من العدم الاقتصادي، روّجها النظام واجهة للعمل، سواء داخل البلاد أو خارجها، وأحياناً تحت غطاء "المعارضة" لبعض الوقت، ثم استدارت اليوم لترجع إليه، ولتدخل عائلة أسماء الأسد - الأخرس في المنافسة أيضاً على حصتها من فساد الواقع الذي يستهدف لقمة عيش السوريين.

وجدير بالذكر أن الحكومة التنفيذية، من وزراء ومديرين ورؤساء غرف، تمثل أيضاً صورة من تقاسم البلد بين قوى محلية أمنية، لا تتبع جميعها لمشاريع رأس النظام، بل تعمل وفق مصالح الجهات التي أفرزتها؛ ما يجعل فسادها خارج المحاسبة الداخلية إلى أن تسقط عنها الحماية.

وعادة في سوريا يحدث ذلك، بعد كشف محاولة تغيير الولاء من جهةٍ إلى أخرى، حتى عندما تكون هذه الجهة من شقيق الرئيس إلى الرئيس، أو من جهةٍ أمنية إلى أخرى، وهو ما شهدته سوريا قبل الثورة بصور مختلفة، من إقالة إلى إعدام أو انتحار (مشبوه)، أو حتى نفي خارج البلد.

وللتذكير، التغيير المدرج ضمن تحديث الوجوه للحكومة السورية المتعاقبة كان يتم وفق آلية تدوير الوجوه، وليس شطبها أو إحالتها إلى التقاعد البيتي، كما حدث عند إقالة رئيس وزراء سوريا، محمد مصطفى ميرو (2000 - 2003) المتهم بقضايا فساد كثيرة داخلية، قبل توليه رئاسة الحكومة وبعده، وخلال عمله محافظاً لمدينة حلب، وقبلها الحسكة ودرعا، وعلى الرغم من ذلك، حوَّلته إقالته من رئيس وزراء إلى متفرّغ "عضو قيادة قطرية رئيس مكتب العمال"؛ ما يعني تسليمه أحد أهم ملفات العمل الحزبي، حيث لم يبعد عن العمل العام إلا بعد تقارير دولية وطلب أمريكي من بشار الأسد (عام 2005) التخلص منه، لتورّطه في عمليات فساد مع رجال أعمال في غرفة صناعة وتجارة حلب في برنامج يتعلق بالنفط مقابل الغذاء مع العراق.

لذلك كله، الهجوم الإعلامي الروسي على الأسد واتهام منظومته بالفساد لا يعنيان انتهاء أسباب حماية الرئيس بوتين له، فهذا النقد، وأحياناً يمكن وصفه شتماً للأسد، ليس جديداً، وإنما عمره من عمر التدخل الروسي في سوريا، سواء بالقول أو الفعل، حيث تعمّد الإعلام إظهار الأسد مع بوتين في مواقف مهينة لموقعه، فتدخل بوتين في سوريا لم يكن حباً في شخص بشار الأسد، ليكون تخليه عنه ناجماً عن تراجع هذا الحب، بسبب فساد إدارته مقدّرات سوريا الاقتصادية، وتراجع نسب قبوله شعبياً إلى 32% حسب آخر استطلاع روسي لجهة حكومية، والفساد ليس علةً يستند إليها الروس أساساً في تقييم علاقتهم مع الآخرين، حيث يضرب هذا الفساد بدولتهم ليصبح (الفساد عملاً).

وعليه، كان التدخل استثماراً (أو business) خاصاً لبوتين، وما لم يحقّق أرباحه المرجوّة منه، فهو لن يتخلى عنه، على العكس، فترويع المجتمع الدولي بحجم فساد النظام الذي تحميه موسكو قد يزيد من ربحها عند جلسة المزايدة على بيعه في جلسة جنيف المقبلة، وليس العكس، وحظ أوفر للواقفين على دور الترشيحات للرئاسة على أبواب إسرائيل ما بعد كورونا.