الأربعاء 10 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

سرُّ تقدِّم الدُّول الحقيقيِّ !!

03 مايو 2020، 01:30 م

لقد خلق الله الإنسان، وجعل جسمه وأعضاءه متناسقة، فَقَالَ سبحانه: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) التين: 4. وقال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ) الإنفطار: 6 - 7.
بل من نِعَمِ الله على الإنسان، أنَّ الله خلقه على صورته، فقد ثبت ذلك في صحيحي البخاري ومسلم، قول النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ( إنَّ الله خلق آدم على صورته )، وفي رواية أخرى: ( إنَّ الله خلق آدم على صورة الرَّحمن )، وهذا لا يستلزم تشبيه المخلوق بالخالق، فالخالق له صفاته التي تليق بجلاله وعظمته، لا تشابه المخلوق بحال من الأحوال.
فالله جلَّ وعلا كرَّم الإنسان، ورفع شأنه ومكانته، وسخَّر له كلَّ ما خلق على البسيطة، وجعل ما خلق له مطاوعاً له، قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الإسراء: 70. وقال سبحانه: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) البقرة: 29.
وما بعث الله الرُّسل إلا من أجل الرُّقي بالإنسان، وهدايته لربِّ الأنام، فجميع الأنبياء والمرسلين عملوا على بناء الإنسان وتقويمه، والعناية به، والاهتمام بتطويره وتقدُّمه، ولذلك أظهرت الدِّراسات الحديثة أنَّ تقدُّم الأمم يُقاس تاريخيًا - خصوصًا اليوم - بتقدُّم أبنائها، فالإنسان أعظم رأس مال بالنسبة إلى أي أمَّة، فقد أكَّدت جميع المؤسسات الاقتصادية والمالية الدُّولية، أنَّ العامل الحاسم في التَّقدُّم هو الاستثمار الكثيف في البشر، أو ما يسمى بناء رأس المال البشري، أو توفير الموارد البشرية الملائمة، كمًّا كافيًا، ونوعًا عاليًا.
فمثلًا اليابان وألمانيا، ليس عندهم الموارد الطبيعية من نفط وغاز ومعادن، ولكنَّهما دوَلٌ متقدِّمة ومتطوِّرة، بسبب استثمارها في الموارد البشريَّة، ففي ألمانيا تعليم الإنسان فرض وواجب، وهو حقُّ كل مواطن فيها، يتساوى الجميع في هذا الحقِّ، ومنعت الحكومة فتح مدارس خاصَّة، من أجل ألا يتفاوت النَّاس في حقِّ التَّعليم، وكثير من الدُّول حذت حذو اليابان وألمانيا في الاستثمار بالموارد البشرية كسنغافورة وماليزيا..
ولكن !! للأسف الشَّديد في البلاد العربيَّة، هذه القضيَّة منسيَّة، بل آخر ما يفكِّرون به بناء الإنسان، فهم يعملون على قتْل الكفاءات والقُدُرات والقدُوات، فالمضَّطهدون عند الحكومات العربيَّة هم النُّخب، وأصحاب العلم والرَّأي والفكر والثَّقافة، فكلُّ حاكم عربي شتَّت نخب بلده: إمَّا في السِّجن بدعوى العمل على زعزعة أمن واستقرار الدَّولة، وإمَّا هجَّرهم خارج البلاد، ليستفيد منه أسياده في الخارج، وإمَّا أنْ يتخلَّص منهم بالقتْل في ظروف غامضة، ولا يسمح لأحد كائنًا من كان السُّؤال عن سبب قتْلهم، وكلُّ حاكم عربي يهتمُّ فقط بتثبيت كرسيِّه، ولو أدَّى ذلك للتضحية بكلِّ المبادئ والقيم والأعراف والقوانين، والثَّورات العربيَّة التي قامت، لم تقم عبثًا، بل قامت نتيجة للضُّغوط المختلفة، التي تمارس على الشُّعوب، لدرجة أن مواطن الدُّول العربيَّة لا يشعر بالأمن والأمان، ويعيش الحياة بقلق وخوف، فلكل عشرة مواطنين عنصر مخابرات، يلاحقهم بالتّقارير والأكاذيب والأراجيف، ويراقب كلَّ حركة لهم وسكنة، دُوَلٌ استخباراتيَّة على شعوبها، تجد في كلِّ بلد عربي أشكالاً وألواناً لفروع المخابرات، القصد منها حماية كرسي الرَّئيس، وليس حماية الوطن والمواطن، وما بائع الجولان " المقبور حافظ الأسد " منَّا ببعيد، وابنه بشار الخبيث المجرم باع سورية كلَّها للرُّوس والمجوس، وصار ذيل كلب لروسيا، حكَّام الدُّول العربيَّة كالسَّرطان والوباء، هم السَّبب الحقيقي في ضعفنا، وذهاب ريحنا أمام أعدائنا، بدءًا من الضَّال الشريف حسين، الذي ضحكت عليه بريطانيا، بجعله ملكًا على العرب، بشرط أن يقضي على الخلافة العثمانيَّة، التي كانت راعية حقيقيَّة لحقوق المسلمين في العالم، وكان المسلمون ينعمون في ظلِّها بالعزَّة والأنفة والقوَّة، فقام السَّخيف بالثَّورة العربيَّة الكبرى، وتبعه فيها مَنْ على شاكلته، وبعد انتهاء مهمَّته، لم ينل من ثورته، إلا أن يُرمى به لاجئًا ذليلًا حقيرًا في اليونان، و بدؤوا البحث عمَّن يُكمل مسيرة الخيانة والعمالة، وينهي البقيَّة الباقية من قوَّة المسلمين، وإنهاء الخلافة العثمانيَّة تمامًا، ومن بعد سقوط الخلافة العثمانيَّة، تجد العرب والمسلمين تائهين ضائعين، ليس لهم شأن، قد سقطوا سقوطًا عموديًّا، لا يقومون منه إلا بالعودة الصَّادقة لدينهم وعقيدتهم، ويعملون على بناء الإنسان بناء صحيحاً، ويكرِّسون جهودهم في الاستثمار الحقيقي، الذي به تُبنى الأوطان، وتنتقل به من التَّخلُّف إلى التقدُّم، ومن الضَّعف إلى القوَّة، ولا مانع من الاستفادة من تجارب الدُّول الأخرى، التي قطعت شوطاً كبيراً بالاستثمار في الموارد البشريَّة، كاليابان وألمانيا وسنغافورة وماليزيا، وذلك بإيفاد النُّخب عندنا إليهم، وبإقامة تبادل علمي ومعرفي ومهاري بيننا وبينهم في هذا المضمار، فالحكمة ضالة المؤمن، فالتنمية الإنسانيَّة: تنمية النَّاس، من أجل النَّاس، من قِبل النَّاس، وعلى الجميع التَّعاون في ذلك، فالنَّجاح في النِّهاية مراد الإنسانيَّة كلِّها، فنجاح اليابان وألمانيا وغيرها، عاد نفعه على الإنسانيَّة جمعاء، فالعقل والفكرة والإبداع، هو رأس مال الشَّركات العملاقة والدُّول الغنيَّة، فالاستثمار فى العقول هو الأقوى والأمضى، وصناعة المستقبل تعتمد على الأفكار أكثر من اعتمادها على ما تخرجه الأرض من موارد طبيعيَّة، والإبداع هو السَّبيل لدعم التَّنمية والتَّقدُّم فى المجتمعات والدُّول، فرأس المال البشرى لا يقدَّر بثمن، والأفكار الخلَّاقة تؤدّي إلى ربح المليارات، كما أنَّ العقول تصنع المال والنَّجاحات، والتَّفوُّق العلمي يصنع من الأفكار الرَّائدة كيانات عملاقة، تتفوَّق ميزانيَّاتها وأرباحها عن دول يسكنها الملايين.
إذاً صناعة المستقبل، أصبحت لا تعتمد على ما تمتلكه الدُّول، من موارد طبيعيَّة، بقدر اعتمادها على الاستثمار فى الموارد البشريَّة، فالمال والموارد الطَّبيعيَّة، رغم أهميتهما إلا أنَّهما ليس لهما قيمة، دون العنصر البشري المدرَّب المبدع، الذي يُعدُّ شرطًا أساساً؛ لتحقيق النَّهضة الاقتصاديَّة والتَّنمويَّة والتكنولوجيَّة، والاستثمار في الإنسان، يأتى بإتاحة الفرصة له للتدريب والابتكار، وتهيئة الظُّروف له للبحث والإبداع، لأنَّ ذلك هو الطَّريق الوحيد والمضمون نحو تقدُّم حضاري ونهضوي، لأي بلد كان، ويتطلَّب ذلك إيجاد منظومة تعليميَّة عالية الجودة، وإنشاء مراكز البحث المتكاملة؛ لإلحاق المبدعين بها، وتهيئة الظُّروف كافَّة لهم لتصنيع الفِكَر والابتكارات، التي تصنع رجال المستقبل الواعد المشرق.
ختاماً أقول:
يا حكَّام العرب والمسلمين:
اتَّقوا الله في شعوبكم، وحافظوا على نُخَب مواطنيكم، أخرجوهم من غياهب السُّجون، وظلام المعتقلات، أرجعوهم من بلاد الاغتراب، التي هُجِّروا إليها قسريًّا، أطلقوا لأفكارهم وآرائهم ومواهبهم العنان، فهذا هو السَّبيل القويم لمجدكم وخلودكم، وسرُّ التقدُّم الحقيقي للأمم والشُّعوب، ولن يصلح حال أمَّتنا اليوم؛ إلا بما صلح به حال أولها، اصطلحوا مع شعوبكم، كونوا لهم، ولا تكونوا مع أعدائهم عليهم، وثقوا ثقة تامَّة أنّ قوتكم تبقى وتتمدَّد، عندما يصنع شعوبكم بأيديهم: السَّلاح، والدواء، والغذاء، فالبلاد تحتاج لجندي يحميها، ومهندس يبنيها، وفلَّاح يزرع أرضها، ومعلِّم يربِّي أجيالها، وطبيب يعالج مرضاها، وهؤلاء وجودهم مرتبط ببيئة صالحة، بعيدة عن الضَّغط والتَّوتُّر، في ظلِّ حاكم صالح، همُّه الوحيد: الاستثمار في الإنسان، وبناء العنصر البشري بناء صحيحاً..
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيَّنا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.