الأحد 21 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

صبر إستراتيجي إيراني في مواجهة التصعيد الإسرائيلي

07 مايو 2020، 11:17 ص
صبر إستراتيجي إيراني في مواجهة التصعيد الإسرائيلي

لم تكن ليلة 4 مايو الجاري مختلفة عما قبلها من تواصل الاستهداف الإسرائيلي لمواقع إيرانية على الأرض السورية، فقد أفادت وسائل الإعلام الرسمية التابعة للنظام (سانا) بأن دفاعاتها الجوية تواجه هجوماً إسرائيلياً بالقرب من حلب قبل منتصف الليل.

وقد تم التقاط هذه التفاصيل من قِبل شبكات الإعلام الموالية لميليشيات "حزب الله" و"إيران"، ثم بعد ذلك بساعة وردت أنباء أكثر من انفجارات في نهر الفرات على طول الطريق الممتد من دير الزور إلى البوكمال على الحدود العراقية.

وبعد هذه العمليات الإسرائيلية في عمق الأراضي السورية أكد وزير الدفاع الإسرائيلي "نفتالي بينيت" أن تل أبيب ستواصل عملياتها العسكرية في سوريا حتى رحيل الميليشيات الإيرانية عنها وخروجها بشكل كامل.

وأوضح "بينيت" في مقابلة تلفزيونية مع قناة "كان 11" الإسرائيلية أمس الثلاثاء أن "إيران لا شأن لها في سوريا ولن نتوقف قبل أن يغادر الإيرانيون سوريا".

إن استهداف عشرات المواقع الإيرانية من قِبَل إسرائيل يأتي بعد ما أعلنه الإسرائيليون عن البَدْء بمعركة إخراج إيران من سوريا، وهي ما تشكل نقطة فاصلة بين مرحلة الضغط التي كانت تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة على إيران، وبين مرحلة الحرب المفتوحة والاستهداف الشامل وهو ما يعني أنّ المرحلة القادمة ستشهد المزيد من العمليات الجوّية المكثَّفة والمتتابعة لكلّ هدف إيراني موجود ضمن الأراضي السورية كما لو كانت حرباً حقيقيةً مفتوحة وبغارات شبه يومية، ولَم تَعُد مجرّد غارات نوعية متقطّعة لأهداف محدّدة كما السابق، وكلّ ذلك يأتي بدعم ومباركة الولايات المتّحدة التي صرح وزير خارجيتها "بومبيو" بضرورة انسحاب إيران من كامل الأراضي السورية والتي سبقتها تصريحات المبعوث الأمريكي جيمس جيفري الذي صرح بأن العمليات الإسرائيلية ضد التواجد الإيراني في سوريا تحظى بدعم الولايات المتحدة، كما تحظى العمليات الإسرائيلية بدعم عدد من الدول العربية وعدم اعتراض من روسيا وتركيا.

وهنا نذكر الإجراءات التي قامت بها ألمانيا حيث صنّفت ميليشيا "حزب الله" اللبنانية كجماعة محظورة وقامت السلطات الألمانية بعملية مداهمات ضد مشتبه بهم داخل البلاد.

لكن بالحديث عن مدى فاعلية الغارات الإسرائيلية المكثفة، وهل تستطيع أن تجبر إيران على الإذعان لمطالب إسرائيل والولايات المتحدة أم لا.

أعتقد أنه قد يكون ارتفاع وتيرة القصف الإسرائيلي على المواقع الإيرانية في سوريا مؤلماً لإيران خصوصاً أنه يستهدف أهدافاً معينة، لكن لا أظن أنّه سيحقّق انكساراً كبيراً في الإستراتيجية الإيرانية في سوريا القائمة على التغلغل في مفاصل الدولة واتخاذ سياسة الصبر الإستراتيجي بانتظار تغير المعادلة الدولية والإقليمية لاقتناص الفرصة؛ فالإيرانيون اليوم تغلغلوا في مفاصل حسّاسة في النظام السوري خصوصاً في مؤسسات الأمن والجيش والقطاع الاقتصادي، وباتوا يمثّلون جزءاً من البنية العضوية للنظام والتي باتت مستعصية على الطلاق والانفصال لا بالاختيار من الطرفين ولا بالإكراه الذي تمارسه إسرائيل والولايات المتحدة، الأمر الذي يفتح الاحتمالات على مصراعَيها.

إن إسرائيل اليوم تدفع ثمن خطئها الإستراتيجي عندما نظرت بعين العداء للشعب السوري، ودعمت سياسة التدمير للبنية الاجتماعية للشعب السوري، وغضّت الطرف عن تدخّل حزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانية بناءً على فرضية استنزاف الكلّ.

ثمّ أكملت الخطأ عندما دفعت الولايات المتّحدة لتسليم الجنوب السوري ضمن صفقة مع روسيا على أمل أن يكون المقابل هو إخراج إيران من الجنوب السوري وعدم السماح لها بالتمدّد إلى حدود الجولان المحتلّ، لكن الذي حصل أن روسيا كسبت من الولايات المتحدة ورفضت الإيفاء بالتزاماتها.

واليوم تدفع الولايات المتّحدة إسرائيل للمواجهة مع إيران منفردة ضمن دعم سياسي فقط، وتقديم إيران محاصرة لإسرائيل، وتجد إسرائيل نفسها مضطرّة لخوض الحرب مع إيران منفردة بعد أن تجاوز الدور الإيراني الحدود المرسومة له إسرائيلياً.

أما بالنسبة إلى ما جاء من مصادر أمنية إسرائيلية أنّ إيران بدأت بالخروج من سوريا وإخلاء قواعدها هناك تحت وطأة القصف الإسرائيلي، كما جاء في تصريحات صحفية أدلى بها مسؤولون عسكريون إسرائيليون في "الكرياه" مقرّ وزارة الدفاع في تل أبيب (وسط)، على وفق قناة "كان" الرسمية.

فإنّ هذا الكلام لا يعدو كونه للاستهلاك الإعلامي ولا يقرأ إلا في سياق رفع أسهم الحكومة عند الناخب الإسرائيلي؛ فما يجري على الأرض شيء مختلف تماماً، فإيران لا تزال تعزّز حضورها وتمركزها في سوريا، وتستجلب المزيد من المقاتلين والميليشيات الطائفية إلى سوريا، لكن ربّما تنقل بعض القوّات من القواعد العسكرية إلى المناطق المدنية الآهلة بالسكّان لتجنّب الضربات الإسرائيلية، وربّما عدّ الإسرائيليون هذه الخطوة التكتيكية من إيران تنفيذاً لانسحابات.

أمّا روسيا فهي غير مستفيدة من الضربات الإسرائيلية وغير متضرّرة منها، خصوصاً أنّها أعلنت أنّ هدفها هو حماية النظام و"محاربة الإرهاب "وليست معنيّة بحماية الميليشيات الإيرانية على الأرض السورية؛ لذلك لم تدخل منظمة "إس-300" لمنع الطائرات الإسرائيلية لحماية المواقع الإيرانية وهو ما يثير غضب طهران.

وأعتقد أنّ القصف الإسرائيلي يجري بالتنسيق مع روسيا التي تسيطر على الأجواء السورية، وربّما توفّر الضربات الإسرائيلية على روسيا التخلّص من شريك وحليف بات ثقيلاً ومعيقاً للحلول الروسية التي ترغب بإبرامها مع الولايات المتحدة، وتحولت إلى منافسٍ على تحصيل مكاسبه ومصالحه من دون إعارة اهتمام للمصالح الروسية التي كان لتدخلّها الدور الأكبر في تثبيت نظام الأسد.

أمّا بالنسبة لخصوصية المناطق التي استُهدفت من قِبَل الطائرات الإسرائيلية، فمن الواضح أنّ إسرائيل لها تخوّفان أساسيان من الوجود الإيراني في سوريا.

الأول: هو إنشاء جيش أيديولوجي تابع لإيران على الأراضي السورية وخارج سيطرة الدولة، بحيث يبقى ورقة ضغط بيد إيران في المنطقة على غرار حزب الله اللبناني، يمكن أن يتمركز على الحدود مع إسرائيل.

والأمر الثاني: خشية إسرائيل من القواعد العسكرية والتصنيع العسكري للصواريخ الباليستية التي تحاول إيران توطين تصنيعها في سوريا بدلاً من نقلها من إيران، وهو ما يهدّد الأمن الإسرائيلي.

ومن هذه المخاوف يمكن أن نخلص أن أساس مشكلة إسرائيل مع الوجود الإيراني في سوريا ليست في أصل الدور ولكن في حدود هذا الدور الذي تجاوز الخطوط الحمراء بالنسبة لإسرائيل.

لكن في النهاية هل يمكن لمجرد التصعيد الإسرائيلي أن يكسر الإستراتيجية الإيرانية في سوريا، أم أن سياسة الصبر الإستراتيجي التي تنتهجها طهران ستهزم التصعيد الإسرائيلي؟

أعتقد أن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات وتحريك الكثير من أوراق الضغط من قِبَل كل الأطراف.
 

المصدر: نداء سوريا