الأربعاء 01 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.63 ليرة تركية / يورو
40.54 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.91 ليرة تركية / ريال قطري
8.65 ليرة تركية / الريال السعودي
32.45 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.63
جنيه إسترليني 40.54
ريال قطري 8.91
الريال السعودي 8.65
دولار أمريكي 32.45
...

إنَّه الله ربُّ العالمين !!

09 يونيو 2020، 08:54 ص

عقلُنا مخلوق، وعلمُنا مخلوق، وجسدُنا مخلوق، والمخلوق يبقى عقله وعلمه وجسده قاصراً وضعيفاً، ولا يستطيع المخلوق القاصر الضَّعيف أن يستوعب فعل الخالق العظيم، مهما بلغ من رجاحة العقل، ورقى في مراتب العلم والفكر والمعرفة، فالله عزَّ وجلَّ له الأمر من قبلُ ومن بعدُ، ويتصرَّف في ملكه كما يشاء ويريد، وإنَّ أخطر باب في علم التَّوحيد: باب القضاء والقدر، فقد تاه وضلَّ فيه فئام من النَّاس، والذين ضلُّوا فيه على ضربين: الجبرية والقدرية، فالقدريَّة: هم الذين ينفُون قدَر الله تعالى، ويقولون: إنَّ الله تعالى لم يخلق أفعال العباد، ويجعلون العبد خالقَ فِعل نفسه، ويقولون: إن الله تعالى لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه.
وأما الجبريَّة:  يرون أنَّ النَّاس لا اختيار لهم في أفعالهم، ولا قدرة لهم على أن يغيِّروا مما هم فيه شيئًا، وإنَّما الأفعال لله سبحانه؛ فهو الذي يفعل بهم ما يفعلونه، وجعلوا هذا مطلقًا في جميع أفعالهم، فإذا آمن العبد أو كفر؛ فإن الإيمان أو الكفر الذي وقع منه، والطاعة أو المعصية، ليست فِعلَه إلا على سبيل المجاز، وإنما الفاعل الحقيقي هو الله سبحانه؛ لأن العبد لا يستطيع أن يغير شيئًا من ذلك..
كلُّ هذا الزَّيغ والضَّلال، سببه طغيان عقل وعلم المخلوق على مقام الخالق، ولو قدَّر هذا المخلوق اللهَ حقَّ قدره، لما تطاول بعقله الضَّعيف القاصر، على مقام ربِّه، وتدخّل فيما لا يعنيه، فلقي نتيجة لذلك مالا يُرضيه، من التِّيه والضَّلال والطَّيش..
ومن أجل توضيح مسألة القضاء والقدر، وفهْمِها فهمًا صحيحًا مع اليقين الكامل، نتدارس آيات سورة الكهف، حيث ورد فيها الحوار، الذي دار بين موسى والخضر عليهما الصَّلاة والسَّلام، فنلاحظ أنَّ الخير أشكال وأنواع، والشَّرَّ كذلك، ونظرُنا كبشر يمكن أن نتَّفق على أمر هو خير لنا، وربما هو الشَّرُّ علينا، وقد نتَّفق على أمر هو شرٌّ علينا، وربما هو الخير لنا، ولربما نختلف في تقدير الخير والشر، ولذلك قال الله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة: 216.
وبناء على ذلك، فإننا ومن خلال تلاوتنا التَّدبريَّة لآيات سورة الكهف من الآية 75 - 82 نلاحظ أنَّ الشَّرَّ ثلاثة أنواع، وهي:
1- أمر تراه بنظرك القاصر شرًّا، فيكشف الله لك أنَّه كان خيرًا لك، وهذا تجده في ذكره لأصحاب المركب، فما بدا بنظرهم شرّاً، اتضح أنَّه الخير لهم، فالشرُّ شيء نسبي، ومفهوم الشَّرِّ عندنا كبشر مفهوم قاصر، لأنَّنا لا نرى الصُّورة كاملة، تأمَّل الآيات:
(  فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) ...........  
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) ).
2- شرٌّ تراه بعينك شرًّا محضًا، لكنَّه خير محض لك، ولا يكشف الله لك ذلك، فتعيش عمرك كلَّه، وأنت تعتقد أنَّه شرٌّ، مثل حادثة قتل الغلام، فأمُّه بقيت طوال حياتها، لا تعرف لِمَ قُتِل ابنُها، تأمَّل الآيات:
( فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74) .....
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) ).
3- الشَّرُّ الذي يصرفه الله عنك، دون أن تدري بذلك، إنَّه لطف الله الخفي، يسوق لك الخير سَوقًا، ويأتي لك بالنِّعم والمنح، وأنت لا تعلم، ولا حتى خطر على قلبك لحظة من اللَّحظات، كبناء الجدار لأيتام الرَّجل الصَّالح، ظنَّ موسى عليه السَّلام أنَّ أهل القرية، الذين استنكفوا عن ضيافتهم، والقيام بحقِّ القِرى لهم، وإباءهم عن القيام بالواجب تجاههم، هم قوم سوء وأشرار، لا يستحقون بناء الجدار لهم، ولكن هناك خير يسوقه الله للغلامين اليتيمين، وهما لم يفكرا للحظة واحدة في ذلك، تأمَّل الآيات:
(  فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) .............
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82) ).
الخلاصة: 
يجب أن نقتنع بكلمة الخضر عليه السلام الأولى، حيث قال لموسى عليه السَّلام ابتداء: ( إنَّك لن تستطيع معي صبرًا ) لن تستطيع يا ابن آدم أن تفهم أقدار الله، الصُّورة أكبر من عقلك، قد تعيش وتموت، وأنت تعتقد أنَّك تعرضت لظلم في جزئية معينة، لكنَّ الحقيقة غير ذلك تمامًا، الله قد حماك منها، خذ أمثلة سهلة، لعلي أوصل لك الفكرة من خلالها: 
- أنت ذو بنية ضعيفة، وتقول: إنَّ الله حرمني من الجسد القوي، أليس من الممكن أنَّ شخصيتك متسلِّطة، ولو كنت منحتَ القوة، لكنت افتريت على الناس، وتكون أسأت لنفسك، وظلمت النَّاس. 
- حرمك الله المال، وتقول: إنَّ الله حرمني من المال الوفير، أليس من الممكن أن تكون من الذين يُفتنون بالمال، ولو كنت أُعطيتَه؛ لطغيت وفسدت، وبالتالي ستكون نهايتك وخيمة. 
- حرمك الله الجمال، وتقول: إنَّ الله حرمني من الوجه الحسن، والقامة الجذَّابة، أليس من الممكن أنَّك ذو شخصية استعراضية، ولو كان منحك الله هذا الجمال؛ لكان أكبر فتنة لك. لماذا ننظر للجانب السلبي للأشياء ؟ ونقول: حرمنا الله ليؤذينا، نحن أصغر بكثير من أن يرى الله جلَّ وعلا أذيَّتنا، إنَّما كلُّ ذلك لمصلحتنا، لكننا لا نعي ذلك، تمامًا كما لم تعه أمُّ الغلام.
استعن بلطف الله الخفي؛ لتصبر على أقداره، التي لا تفهمها، وقل في نفسك: أنا لا أفهم أقدار الله، لكنَّني متَّسق مع ذاتي، ومتصالح مع حقيقة أنَّني لا أفهمها، لكنَّني موقن كما أيقن الرَّاسخون في العلم، أنَّه كلٌّ من عند ربنا، إذا وصلت لهذه المرحلة، ستصل لأعلى مراتب الإيمان، ألا وهي الطَّمأنينة، وهذه المرتبة التي لا يهتز فيها الإنسان لأيِّ قدَرٍ من أقدار الله، خيرًا بدت أم شرًا، ويحمد الله على كلِّ حال، كما قال ابن عطاء الله السَّكندري: ( بسطك كيلا يبقيك مع القبض، وقبضك كيلا يتركك مع البسط، وأخرجك عنهما كيلا تكون لشيء دونه، فتعبده وحده جلَّ وعلا وعزَّ ) فعندما يستوي عندك القبض والبسط، والعطاء والمنع، والخير والشَّر، وتعلم أنَّك تحت أمر الله وقضائه وقدره، تحمده على كل حال، لأنَّه أعلم بحالك منك، وهو الرَّاعي الحقيقي لمصالحك، فلِمَ تتعبُ نفسك، عليك بتنفيذ ما طلبه منك، ودع الباقي عليه، فهو أرحم بك من نفسك، وأرحم بك من جميع من يلوذ بك، ولذلك قال الحسن البصري - رحمه الله - : ( من رضي بقضاء الله، جرى عليه، وله أجره، ومن سخط على قضاء الله، جرى عليه، وعليه وزره )
حينَها سينطبق عليك كلام الله:
( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) الفجر: 27 - 30. لاحظ وتدبر آخر آية، فإنَّه لم يذكر للنَّفس المطمنئة لا حسابًا ولا عذابًا.
ختامًا أقول:
إنَّ ما يحصل في بلاد الشام المباركة، بدءًا من غزة العزَّة، وانتهاءً بالشَّمال السُّوري، من حصار وقهر وقتل وتجويع، واعتداء صارخ على الضَّروريات الخمس، التي أتت جميع الشَّرائع والأديان السماويَّة بحفظها وصونها، حتَّى وصل الحال ببعض أهل الشَّام إلى القول: 
يا ربنا ألا ترى ألا تسمع ألا تشاهد ما حلَّ بنا !!.
أليس الرُّوس والمجوس والرَّوافض والنُّصيرية على الباطل، ونحن على الحقِّ المبين الواضح ؟؟.
فلماذا تتركنا ولا تنصرنا ؟؟.
لماذا تتخلى عنا ؟؟.
ذقنا طعم المرارات كلِّها، نفذ صبرنا، قلَّت أرزاقنا، شحَّت مواردنا، ضاقت بِنَا السُّبل، إلى من تكلنا، إلى عدوٍّ يتجهمنا، أم إلى قريب ملَّكته أمرنا، حتَّى وصل الأمر بالبعض، فأطلق عبارات لا تليق بحقِّ الله، بل ربما الناطق بها يخرج من ملَّة الإسلام، إن لم يتب ويستغفر، الله أكبر على كل باغٍ وطاغٍ وكافر ومتجبر، والنَّصر يا أحبتي صبر ساعة، والله معنا، ولَن يتخلَّ عنَّا طرفة عين، وما تأخر النَّصر إلا لحكمة هو أعلم بها منَّا، وما يحصل لنا فهو بقضاء الله وقدره، فعلينا الاحتساب في ذلك، ليزيد لنا ربُّنا في أجرنا وثوابنا، وعلينا أن نبقى ثابتين على طريق الثورة والجهاد، ونقدِّم كلَّ ما نستطيع من قوَّة، حفاظًا على ديننا وعقيدتنا ومبادئنا وقيمنا الثابتة، والله غالب على أمره، ولو كره الكافرون..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبيَّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.