الأحد 05 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.92 ليرة تركية / يورو
40.78 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.62 ليرة تركية / الريال السعودي
32.35 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.92
جنيه إسترليني 40.78
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.62
دولار أمريكي 32.35
...

الجامعة العربية انهارت… ماذا سيحصل؟

20 اغسطس 2020، 12:15 م

ما الذي كان يفكر به سكان المنطقة العربية حينما أعلنوا أن احتلال فلسطين من قبل كيان دولة الاحتلال الإسرائيلي، هو النكبة التي ضربت وحدتهم. كان لزاماً عليهم أن يسمونها نكبة العرب الثانية -على الأقل- في التاريخ الحديث؛ فما أكثر نكباتنا و خيباتنا.

الباحث في تأسيس تكتلات واتحادات الدول في القرن الماضي لا بد أن يُسقِط قانون نيوتن الأول في مبدأ العطالة على جامعة الدول العربية، و الذي بيّن من خلاله نيوتن أن كل جسم لا تؤثر فيه قوة أو تتعادل القوى المؤثرة فيه هو جسم ساكن.

تُعبّر العطالة تماماً عن حال الدول العربية وجامعتها المنكوبة، فالأخيرة تسببت بسقوط حر لقضايا تلك الدول طيلة ثمانين عاماً. لنفهم ذلك أكثر، قد يجب علينا التساؤل والافتراض، ما الذي سيحدث إذا أوقفنا الأرض عن الدوران؟

رغم توقفها (الأرض)، إلا أنه عند التوقف الفجائي للحركة الدورانية للأرض ستعمل العطالة على إلقاء كافة الأشياء الموجودة على سطح الأرض بعيداً عن هذا السطح، وتطير كل الأشياء الوثيقة الاتصال بالكتلة الأرضية بسرعة عالية جداً على خط التماس للكرة الأرضية.

قرابة المئة عام على الانطلاق بتشكيل أولى خطوات ما يعرف الآن بجامعة الدول العربية ولم يفلح هذا الجسم بتحقيق أي من غاياته المعلن عنها (توثيق الصلات بين الدول العربية، الحفاظ على استقلال الدول الأعضاء، تنسيق الخطط والسياسات بين الدول الأعضاء، تحقيق التعاون في الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية، النظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها). لكن بالتأكيد ومع مرور هذا الوقت نجح المتدخلين غير المباشرين في تأسيسه على تكريس حالة العطالة.

سعت بريطانيا في مطلع أربعينيات القرن الماضي إلى الإيهام بدعمها لسكان هذه المنطقة الساعين في ذلك الوقت إلى توحد بلدانهم، تمهيداً منها لمنح وطن قومي لليهود في فلسطين، فالمملكة التي لم تكن تغب عنها الشمس كانت ترى أن النشأة الحديثة لدول منطقتنا مع تخلف مدقع بالتوازي مع تكريس السيطرة عليهم أجمع من خلال "الجامعة العربية"؛ سيساهم في تنفيذ المخططات على أكمل وجه ليس فقط حيال الدولة ما باتت الآن بعض الدول العربية تقول عنها "إسرائيل".

لا يمكن اعتبار أن فكرة تلك الجامعة "ذات أصل عروبي قومي" بقدر ما كانت "حصان طروادة" جديد رواها هوميروس في إلياذته عن الحروب، فاستقتها بريطانيا و أعاد صياغتها وزير خارجيتها إيدن، بشكل يتلاءم وظروف تلك المرحلة التي خدعت العرب بأمجاد القومية وطموحات التوحد "الذي يبدو أنه لن يكون ممكناً في أي ظروف و أي وقت".

نهاية شهر أيار من العام 1941، كان أنطوني إيدن وزيراً للخارجية البريطانية والذي سينتهي مشواره السياسي لاحقاً بعد فشل العدوان الثلاثي الذي دعمه على مصر، كان قد أصدر بياناً أعلن فيه تأييد حكومة بلاده ما ادعى تسميته آمال "الوحدة العربية" واستعدادها لمعاونة العرب، وجاء فيه "كثيرون من مفكري العرب يرجون للشعوب العربية درجة من الوحدة أكبر مما هي عليه الآن، وحكومة صاحب الجلالة من ناحيتها ستؤيد كل التأييد أية خطة تلقى من العرب موافقة عامة".

وفي خطاب ألقاه في شباط 1943، قال أمام مجلس العموم إن الحكومة البريطانية "تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية". وبين الإعلان والخطاب كان سراب الوحدة يجري خلفه العرب دون أي مقومات وأرضية متينة.

خسر سكان المنطقة العربية الكثير إلى جانب فلسطين المحتلة والجولان السوري المحتل، فالخيبات والانتكاسات الاقتصادية و السياسية والعلمية والثقافية متعددة، رغم أن دولاً مثل " تجمع الخليج" يملكون ثروات نفطية هائلة لم ينفعوا بها جامعتهم؛ بل إن تلك الثروة كانت وبالاً عليهم؛ فحربي الخليج كانت عاراً موصوفاً لأعضاء هذه الجامعة. لم تكن تلك الأموال سوى صناديق رشوة في حرب إعلامية دبلوماسية متبادلة بين أطراف هذه الجامعة على امتداد العقود الماضية. تشير تقارير صحفية إلى أن الأمين العام لجامعة الدول العربية يتقاضى سنويا 502 ألف دولار، مما يعني أن راتبه الشهري يبلغ 42 ألف دولار، إلى جانب "بدلات نقدية" تقدر بعشرة آلاف دولار شهريا.

وفي العادة يتسلم الأمين العام عند نهاية خدمته مبلغ مليون دولار عن كل سنة قضاها في منصبه. لكن الأمين العام السابق نبيل العربي استلم سبعة ملايين دولار عند مغادرة منصبه في حزيران 2016 رغم أنه لم يقض في المنصب سوى خمس سنوات، فهل يمكن التفتيش لماذا هذه المنحة السخية (إن صدقت التقارير تجاه مكانة هذا المنصب وتوقيت المرحلة الحساس؛ ليس بالضرورة طبعاً أن نقصد الشخص بحد ذاته)؟

أما نائب الأمين العام فيبلغ راتبه الشهري 35 ألف دولار، بينما يتقاضى رؤساء المنظمات الـ11 التابعة للجامعة رواتب في حدود 12 ألف دولار شهريا.

خسارة العراق كانت فاتحة التخاذل في الألفية الجديدة بعد "مبادرة السلام العربية" في قمة بيروت 2002، التي تلاها الكثير بخاصة في بداية العقد الثاني من هذه الألفية، فما الذي قدمته هذه الجامعة لمواطني بلدانها سوى الخنوع والتصالح مع الهزيمة والتبعية والاستسلام، و ماذا استطاع أمراء وزعماء الجامعة تقديمه للبنان سوى اتفاق الطائف "الطائفي" (1989)، وتغول إيران فيها لاحقاً وامتدادها صوب العراق وسوريا واليمن، ماذا قدمته الجامعة إلى ليبيا سوى أنفاس الحقد المتبادل بين الحكام ولتقع الشعوب في براثن المشاريع الإقليمية والغربية.

لا أدعي أن ما تم ذكره آنفاً يأتي بمناسبة إعلان اتفاق "السلام" بين الإمارات و "إسرائيل" مؤخراً، و الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو ذاته كان اعترف العام الفائت بـ "إسرائيلية" الجولان السوري المحتل، لكنه قد يفتح المجال للتساؤل حول مدى أهمية وجود واستمرار "جامعة العرب".

ما الذي سيضر إن أعلنا ضرورة تطبيق "القتل الرحيم" لهذه الجامعة، ذلك الموت الذي ترجمته اللغة اليونانية بالموت "الجيد و الحسن" ما يشير إلى ممارسة إنهاء الحياة على نحو يخفف من الألم والمعاناة، ووفقا لمجلس اللوردات البريطاني، فإن التعريف الدقيق للقتل الرحيم هو "إجراء تدخل متعمد مع الإعلان عن النية في إنهاء حياة، للتخفيف من معاناة مستعصية على الحل".

رغم أني لست من الأنصار الشغوفين بالوحدة العربية ولا أرى بضرورة أي مصطلح وشعار يدعو لوهم الوحدة الحقيقية والكاملة لسكان هذه المنطقة، لكن من الممكن مع موت الجامعة العربية، أن نرى تفاعلاً نشطاً إيجابياً لدول هذه المنطقة بين بعضها، و أن تقدم لشعوبها كل سبل الرخاء والحرية والسعادة والتقدم بدلاً من واقعها المرير والانتكاسي؛ سواء بولادة مشروع تكتل أو جسم يجمعهم من جديد دون تدخل غربي بأجندة ما بعد استعمارية، أو حتى بدون أي مجلس عروبي.