الإثنين 15 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

الجنرال الروسي ينافس حاتم الطائي

02 سبتمبر 2020، 02:13 م
الجنرال الروسي ينافس حاتم الطائي

إبراهيم العلوش

كاتب سوري

02 سبتمبر 2020 . الساعة 02:13 م

على أطراف البادية السورية، وقرب حقل “التيم” البترولي في دير الزور، كان الجنرال الروسي فياتشيسلاف جلادكيخ يوزع المساعدات الإنسانية حسب وكالات الأنباء الروسية، عندما انفجرت به قنبلة أودت بحياته قبل أيام (بتاريخ 18 من آب الحالي)، وذلك على مقربة من المكان الذي قُتل فيه 250 من عناصر ميليشيا “فاغنر” الروسية قرب حقل بترول “كونيكو” في دير الزور قبل عامين.

لم تذكر الوكالات الروسية نوع المساعدات التي كان الجنرال يوزعها قرب حقل البترول، فهل ذبح للجياع السوريين حصانه كرمًا كما فعل حاتم الطائي، أم كان يوجه الطائرات الروسية لقصف المستشفيات والأسواق الشعبية، أو لإمطار المدارس بالقنابل والغازات الكيماوية التي أغدقت روسيا توزيعها في جميع الأنحاء السورية.

حاولت عدة جهات إلصاق التهمة بـ”داعش”، التي صارت أثراً بعد عين، ولم تعد قادرة على إعادة تأهيل نفسها بعد أن مارست كل فجورها ضد الناس، وضد كل القوى الوطنية السورية. وظل دم الجنرال الروسي مسفوكًا في البادية بلا قاتل محدد، وكأن تميمة الطائي ورمزية كرمه انتقمت لنفسها من محاولة الجنرال الكبير التعدي عليها.

وتهافتت نظرية كرم الجنرال الروسي وتوزيعه المساعدات في أقاصي البادية، وذلك بانتشار الجوع في دمشق نفسها، وفي سائر الأنحاء التي يحكمها الروس مع الإيرانيين، فالناس يبحثون عن لقمة الخبز بأي ثمن، وصار الحصول على كمامة للوقاية من فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) ترفًا، فالجوع ينتشر أمام أعين الجنرالات الروس والمستشارين الإسلاميين الإيرانيين، وكأنما الجوع يصيب الحجر ولا يصيب السوريين وأبناءهم ويمتهن كراماتهم تحت ظلال الطائرات الروسية، وعلى مقربة من حواجز الميليشيات الإيرانية الإسلامية الثورية.

ولن نذهب بعيدًا عن مكان قتل الجنرال الروسي، فالناس في وادي الفرات يتم ابتزازهم بلقمة الخبز، وبتهديد السلاح للانضمام إلى الميليشيات الإيرانية والأسدية للذهاب إلى الحرب في الشمال السوري، أو للذهاب كمرتزقة بالبواخر الروسية إلى قوات “فاغنر” الروسية في ليبيا التي تساند الجنرال خليفة حفتر.

وكان الأجدى بالكرم الروسي أن ينقذ سكان الحسكة التي تحوي إحدى القواعد الروسية، فمنذ أسابيع طويلة يعاني الناس في الحسكة من العطش إثر انقطاع الماء، ضمن فصول الحرب الضروس بين الروس والأمريكيين والأتراك على اقتسام المنطقة، فـ”قسد” تقطع الكهرباء عن محطات الضخ والتصفية، فترد عليها القوات المقابلة بقطع مياه الشرب، وكل جهة تحرك قطعة في شطرنج المنازلات التي تقتل الناس، وتُعطشهم، وتجوّعهم، ويحاول الجنرال الروسي أن يقوم بدوره الإنساني المزعوم، على أطراف حقول البترول بطريقة كوميدية وتهكمية تستخف بعقول السوريين وبمشاعرهم.

الجنرال الروسي الذي ذهب إلى البادية يتحدى حاتم الطائي، هو الجنرال الرابع الذي يُقتل في سوريا حسب بعض المصادر الروسية، وهذا نفس العدد الذي قُتل من جنرالات الروس في حرب أفغانستان، ولكنه هو الوحيد الذي اكتسب مقتله سمة محلية وتراثية، إذ كان يخطط بشكل استراتيجي لمنازلة حاتم الطائي بلا جمهوره، بعد أن تم تهجير ربع السوريين إلى الخارج، وبعد أن أفلحت الطائرات الروسية بإخافة من بقي من السوريين في موطنهم، وهم يعيشون بين فكي كماشة روسية وإيرانية.

المواطنون الروس تلقوا نبأ مقتل جنرالهم بمشاعر متناقضة، فبعضهم اعتبره بطلًا وطنيًا يغزو سوريا ويستولي على المناجم والمطارات والقطع العسكرية مقابل توزيع القنابل والخبز عليهم. أما الطرف الآخر فتساءل كما ينقل بسام مقداد في مقالاته الشائقة عن الإعلام الروسي، عما كان يفعله الجنرال الروسي في سوريا، وهل ذهب لمناصرة ديكتاتور ضد شعبه، بدلًا من مناصرة الروس ضد ديكتاتورية بوتين؟!

الحكومة الروسية بدورها نعت الجنرال، ووعدت عائلته بصرف كل الاستحقاقات القانونية، واعتبرت أن مقتله يتطلب التحقيق ومطاردة الفاعلين في بوادي سوريا، من أجل تثبيت نفوذها في البحار الدافئة، وهزيمة الغرب، والانتقام لسقوط الاتحاد السوفييتي.

المنازلة بين حاتم الطائي الأمير الصحراوي، والجنرال الروسي المسلح بكل الطائرات والصواريخ وبكل ربطات الخبز التي كان يوزعها قرب حقل البترول، آلت إلى فشل روسي ذريع، رغم أن الطائي لم ينضم إلى “داعش”، ولم ينضم إلى القوات التركية، ولم يتدرب في جبال قنديل، ولم يدرس العلوم العسكرية في أوروبا أو أمريكا، لقد خرّ الجنرال صريعًا على أطراف البادية السورية بعد كل السجّادات الناريّة التي فرشها فوق السوريين، والتي أحرقت وطنهم، وأحرقت قلوبهم، وسلمتهم للمجاعة، ولـ”كورونا”، بلا حول ولا قوة، لقد نجحت العملية الروسية، ولكن الجنرال المنتصر قد مات!