الأحد 07 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

المعركة بدأت.. وإطلاق النار لم يبدأ

18 يونيو 2022، 07:32 م
المعركة بدأت.. وإطلاق النار لم يبدأ

د. باسل معراوي

كاتب وسياسي سوري

18 يونيو 2022 . الساعة 07:32 م

لوضع النقاط على الحروف لا بد لنا من الإقرار بأن المشروع الانفصالي الذي ينادي به الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي في سوريا، هو جزء أو مشهد من مشروع الحزب المعلن، والذي يستهدف العبث بجغرافية وديمغرافية ثلاث دول أخرى إضافة للدولة السورية.

ولأن تلك الدول لها من يدافع عنها وتتمتع بدرجات من الاستقرار وقوة السلطة المركزية وعوامل أخرى متعددة، إلا أن مشروع الحزب في سوريا، يعتبر هو الأخطر على مستقبل الوطن السوري عامة، فما زالت البلاد تعيش بخضم التداعيات التي أعقبت الثورة السورية، حيث تتنازع الجغرافية السورية قوى متعددة دولية وإقليمية كان للنظام السوري الدور الأكبر في استدعائها أو استعدائها، وما زال الجسد السوري المريض لم يصل إلى مرحلة النقاهة بعد.

تسعى إمبراطورية ولاية الفقيه إلى تحويل سوريا للمحافظة 39 الإيرانية، عبر عمليات جراحية معقدة وتمدد سرطاني خبيث تستهدف الوطن السوري أرضاً وشعباً، ولا يقل مشروع حزب العمال الكردستاني السوري خطورة على الوطن السوري الذي يسعى لقطع أجزاء رئيسية منه وإلحاقها بمشاريع خارجية.

يتمتع مشروع الحزب الانفصالي بدعم دولي منقطع النظير من قوى متناقضة، بل متصارعة أحياناً غايتها تمزيق الوطن السوري واستهداف العمق التركي الذي يعاني من شرور المشروع ذاته.

تجازف الولايات المتحدة وغيرها من دول الناتو بتحالفها مع الدولة التركية العضو الرئيسي والفعال بالحلف في سبيل دعم تلك الشرذمة الإرهابية والتي أفضت بتركيا إلى مد جسور لتعاون عسكري لا نعرف مداه مع عدو الناتو الأول.

ومؤخراً ظهر للأضواء دعم اثنتين من دول رموز الحياد العالمي (السويد وفنلندا) لتلك الشرذمة الإرهابية.

إن خطورة مشروع الحزب على الوطن السوري بات يعلمها الجميع، أما خطورته على تركيا فهو ليس كما يعتقد البعض بامتلاك أسلحة خفيفة ومتوسطة تهدّد العمق التركي أمنياً، أو عسكرياً بل بعدم خلق بؤرة أو سابقة لتمزيق المجتمع التركي بتحريضها على الاقتداء بنموذج سوري يؤدي لضياع جهود قرن مضى من محاولة تركيا بناء نموذج الدولة الأمة.

لذلك أرى أن المنطقة الأمنية التي ترنو إليها الدولة التركية (بغض النظر عن السلطة في أنقرة) هي داخل تركيا، وأن المنطقة الآمنة السورية التي تطالب بإنشائها منذ بواكير الثورة السورية لحماية الفارين من إجرام القمع الأسدي-الإيراني (والروسي)، ولمنع تدفق المزيد من الهاربين من الجحيم السوري إلى أراضيها، ولمنع تشكيل ولو حزب مدني يدعو إلى تفتيت الدولة والمجتمع التركي ويدرس في مناهجه التربوية دولته المنشودة بخريطة تقتطع أكثر من ثلث الأراضي التركية.

لذلك، فإن قرار المواجهة مع حزب العمال الكردستاني وأذرعه هو قرار استراتيجي تركي متخذ ومتوافق عليه وفي أي بقعة من العالم، وليس في تركيا أو جوارها العربي (كما هو حاصل الآن في سوريا والعراق) وتعتبر القوة الخشنة إحدى أدوات ذلك الصراع.

تواصل العمليات التركية في سوريا والعراق ضد الـPKK

لا تدخر جهداً القيادة التركية في شن عمليات عسكرية خارج أراضيها ضد أذرع الحزب الإرهابي فقد تمكنت من نقل الصراع الدامي (والذي كلف الطرفان عشرات آلاف الضحايا) إلى خارج الأراضي التركية إلى جبال قنديل أولاً، ثم إلى سوريا عندما حاول النظام السوري تصدير إرهاب الحزب إلى تركيا، انتقاماً منها على دعم قوى الثورة السورية واحتضان الفارين منهم إلى داخل أراضيها.

من ضمن عمليات تركيا الأربعة في سوريا، كانت الثانية والثالثة منها لإجهاض المشروع الانفصالي، وتمكنت من كبح جماح تمدده إلى البحر المتوسط، ولن تفرط أنقرة في عملية خامسة وسادسة وسابعة، إلى أن ينتهي ذلك المشروع في سوريا والعراق، والذي تدعمه كل الدول التي تخشى صعود مارد عثماني بعد انتهاء إغلال لوزان في العام القادم.

ما يهمنا نحن السوريون بالدرجة الأولى هو أن كل منطقة يتم طرد إرهاب الحزب الانفصالي منها بمساعدة الجيش التركي يعود إليها سكانها الأصليون الذين طردهم منها الحزب تحت حجج واهية، أهمها اجتثاث داعش، والتي هي عنوان لاستئصال العرب السوريين في استنساخ فج لتجربة الميليشيا الطائفية في العراق بحربها على العرب السنة واقتلاعهم من أراضيهم تحت عناوين اجتثاث البعث وداعش والإرهاب.. الخ.

لم تتوفر لأنقرة ظروفاً مثالية كما هي متوفرة بعد التورط الروسي-الأمريكي بالحرب بالوكالة في أوكرانيا، وهي معركة صفرية لا تقبل أنصاف الحلول، لأن الحلف الغربي وروسيا لديهم الإمكانات للاستمرار طويلاً بها.. لأنها معركة على إنزال الولايات المتحدة من عرشها.

معروف عن الإدارة التركية مرونتها وبراغماتيتها بتحقيق مصالحها واقتناص أشباه الفرص، وقد قدّمت لها الحرب في أوكرانيا فرصة ذهبية، لذلك تتنافس الدولتان المتصارعتان (روسيا-أوكرانيا) على كسبها.

كانت المقاربة الروسية لاحتمالية شن أنقرة عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، يُمكن إطلاق عليها الغموض البناء اتجاه أنقرة، وكانت الأضواء الخضراء تطلّ برأسها من بين تصريحات سيرغي لافروف، أو الإعلان التركي عن اتصال هاتفي هام جرى بين الرئيسين الروسي والتركي، وعدم تعقيب أو توضيح أو تحفّظ من الكرملين على ما أوردته أنقرة عن مضمون المحادثة.

إن تغير موازين القوى الذي كان أحد ارتدادات انغماس الجبارين بصراع ضروس يتوجب فيه على الروس أن يدفعوا للأتراك في سوريا مقابل أن يقبضوا منهم خارجها، ولا أظن أن الدوريات الجوية أو نقل بعض القوات الروسية وانتشارها ببعض أماكن العمليات المفترضة، موجهة للأتراك، بل للنظام وحلفائه الإيرانيين بعدم العبث بأي تفاهم تجريه موسكو وأنقرة، لأن تلك التفاهمات تصبّ في صميم الأمن القومي الروسي والمصالح العليا الروسية ولا يجوز التشويش على أي اتفاق تم، وما على قوات النظام والميليشيا ذات التابعية الإيرانية إلا الالتزام بها.

المماحكة (وليست الممانعة) الأمريكية للعمليات المرتقبة

ليست الولايات المتحدة الأمريكية بوارد التفكير الجدي بوضع فيتو على عملية تركية جديدة أو حتى الاشتباك مع قوات تركية (أو تدعمها تركية) في هذا الظرف بالذات والتي تسعى واشنطن لإصلاح علاقاتها السيئة مع حلفائها المفترضين بالمنطقة، كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ومصر.

فكيف بتركيا الدولة المشاطئة لروسيا وأوكرانيا في البحر الأسود، والتي تملك أقفال إغلاق المضائق البحرية بوجه موسكو، إذا ما تطوّر الصراع إلى تلك الدرجة التي ترغب فيه دول الناتو خنق روسيا تمهيداً لخسارتها للحرب.

ستنفذ أنقرة في المرحلة الأولى ما صرح به الرئيس التركي علناً، وهو تحرير منطقتي تل رفعت ومنبج بريف حلب من رجس العصابات الإرهابية، ويمكنه الانتظار لاستكمال بقية المناطق في وقت لاحق قد لا يتعدى أشهراً، لاستغلال فرصة أخرى قد تكون سانحة أكثر باستمرار استنزاف الروس والأمريكان بحربهم الطويلة وحاجة كل منها لأنقرة والتي قد يكون موقفها أقوى من الآن بفعل الإنهاك الذي حل بالطرفين.

اقرأ أيضاً: